1-سطوة "المحتوى الباهت": العالم يغرق في "العك الرقمي"، والمستهلكون ينشدون الصدق الإنساني وسط ركام الخوارزميات.
2- شعار المرحلة: مؤسسات إعلامية كبرى وهوليوود تتبنى وسم "بشر بنسبة 100%" لاستعادة ثقة الجمهور المحبط.
3-أزمة الهوية الرقمية: كيف تحولت أدوات التكنولوجيا من "شريك إبداعي" إلى "ماكينة تضليل" تهدد الروابط الاجتماعية؟
في ظل الانفجار التكنولوجي الذي نعيشه، بدأت تظهر ملامح تحول كبير في رغبات الناس.
فبعد سنوات من الانبهار بالذكاء الاصطناعي، تشير التوقعات إلى أن عام 2026 سيكون عام "العودة إلى الأصل الإنساني". لم يعد مستخدمو الإنترنت يطيقون ما يُعرف بـ "Slop" أو "الغثاء الرقمي"؛ وهو ذلك المحتوى الآلي الذي يفتقر للروح ويملأ مواقع التواصل الاجتماعي ببرود شديد.
لقد اختار قاموس "ميريام وبستر" كلمة Slop لتكون كلمة عام 2025، وهي تصف فيض الصور والنصوص التي تصنعها الآلات والتي تشبه "الوحل" في لزوجتها وصعوبة تجنبها. هذا النفور الجماعي أصبح المحرك الجديد للسوق، حيث لم يعد "الكمال الآلي" جذاباً، بل أصبح دليلاً على التزييف.
انعدام الثقة: عندما تصبح الخديعة أزمة
في البداية، كان الذكاء الاصطناعي يبدو كأداة سحرية. لكن اليوم، يجد المستخدم نفسه في "أزمة يقين".
أصبحنا نقضي وقتاً طويلاً في التساؤل: هل هذا الفيديو حقيقي؟ هل هذا المقال كتبه إنسان أم برنامج؟
إن الشعور بالتعرض للخدعة هو أسرع طريق لفقدان الثقة في الشركات.
فعندما يكتشف المشتري أن الصورة الإعلانية أو النص الترويجي ليس سوى "وهم رقمي"، يبتعد فوراً عن هذه العلامة التجارية.
هذه الفجوة هي التي دفعت كبرى الشركات للرهان على "اللمسة البشرية" كعلامة جودة فاخرة وموثوقة.
التسويق البشري: العودة إلى الجذور
بدأت ملامح "المقاومة البشرية" تظهر بوضوح. فقد اتخذ عملاق الإذاعة العالمي iHeartMedia خطوة جريئة بإطلاق شعار "بشر مضمونون"، متعهداً لجمهوره بأن كافة الأصوات والموسيقى هي من إبداع بشر. والمثير للدهشة أن استطلاعاتهم أكدت أن 90% من المستمعين يفضلون التواصل مع عقل بشري، بحثاً عن المعنى والتعاطف اللذين تعجز الآلة عن تقديمهما مهما كانت ذكية.
وفي كندا، قرر موقع The Tyee الإخباري منع استخدام الذكاء الاصطناعي تماماً في تحرير الأخبار، وذلك هرباً من الأخطاء الكارثية والمعلومات المضللة التي وقعت فيها مؤسسات إعلامية كبرى اعتمدت على "البوتات".
هوليوود والشارع.. جبهة واحدة ضد التزييف
لا يتوقف الأمر عند الإعلام؛ ففي هوليوود بدأ المخرجون يفتخرون بأن أعمالهم "صناعة بشرية".
المخرج الشهير "فينس غيليغان" أكد في شارات أعماله الأخيرة أن "هذا العمل نتاج جهد بشري".
وفي شوارع نيويورك، تحولت إعلانات أجهزة الذكاء الاصطناعي إلى أهداف للاحتجاج؛ حيث يكتب المارة عليها عبارات مثل: "الذكاء الاصطناعي ليس صديقك.. تحدث إلى جارك"، داعين الناس للعودة إلى التواصل المباشر بدلاً من الانغماس في العزلة الرقمية.
عصر ولادة "النخبوية البشرية"
بالتأكيد، لن يختفي الذكاء الاصطناعي، فهو أداة قوية لتقليل التكاليف. ولكن المتوقع في عام 2026 هو انقسام السوق إلى مستويين: مستوى "آلي رخيص" ومشر، ومستوى "بشري فاخر" يتميز بالصدق والفرادة.
سيصبح "الخطأ الإنساني" و"العاطفة الحقيقية" هما العملة النادرة في اقتصاد المستقبل. وكما نبحث اليوم عن المنتجات "الطبيعية" وسط الغذاء المصنع، سيبحث جمهور المستقبل عن الفكر "الإنساني" الذي لم تلمسه الآلة.
ولهذا قد آن الأوان للإنسان أن يستعيد مكانته، مؤكداً أن الآلة قد تختصر الوقت، لكنها لا يمكن أن تمنحنا "الحقيقة".