أثار إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض حصار كامل على ناقلات النفط المعاقبة المتجهة من وإلى فنزويلا حالة واسعة من الجدل الدولي، في ظل مخاوف من تداعيات سياسية واقتصادية قد تتجاوز إطار العقوبات التقليدية.
القرار، الذي جاء في توقيت يشهد توترات متصاعدة على الساحة الدولية، أعاد تسليط الضوء على مستقبل العلاقة بين واشنطن وكاراكاس، واحتمالات تحول التصعيد الاقتصادي إلى مواجهة أوسع في أمريكا اللاتينية.
حصار أمريكي يشعل الجدل الدولي حول مستقبل فنزويلا
قال استاذ السياسة سعيد الزغبي في تصريحات خاصة لموقع صدى البلد إن إعلان دونالد ترامب في 16 ديسمبر 2025 فرض حصار كامل ومطلق على ناقلات النفط المعاقبة المتجهة من وإلى فنزويلا لا يمكن اعتباره مجرد تصعيد اقتصادي تقليدي، بل يمثل خطوة جريئة تنقل المواجهة مع نظام نيكولاس مادورو من إطار “الحرب الباردة” إلى عتبة “حرب ساخنة محتملة”، مستغلًا حالة الفراغ الدبلوماسي العالمي التي يشهدها عام 2025.
اتهام “كارتل المخدرات” يرفع فنزويلا إلى مستوى الهدف العسكري المحتمل
وأكد الزغبي أن وصف ترامب للحكومة الفنزويلية بـ”كارتل مخدرات” يحمل دلالة سياسية وعسكرية خطيرة، موضحًا أن الرسالة الأمريكية لم تعد تضع فنزويلا في خانة “الدولة المارقة” فقط، بل ترفعها إلى مستوى “الهدف العسكري المحتمل”، خاصة مع توجيه أوامر للبحرية الأمريكية بحظر ناقلات النفط “المشبوهة”، وهو ما يعني عمليًا فرض غزو بحري قد يفتح الباب لمواجهات مباشرة مع سفن روسية أو إيرانية داعمة لكاراكاس.
ليس كحصار كوبا.. حرب هجينة لخنق الاقتصاد الفنزويلي
وأشار إلى أن هذا الإجراء لا يشبه الحصار الذي فرض على كوبا في ستينيات القرن الماضي، بل يندرج ضمن ما يمكن وصفه بـ”حرب هجينة” تستهدف خنق الاقتصاد الفنزويلي بالكامل، معتبرًا أن إعلان حرب رسمي بات أقرب إلى الواقع من أي وقت مضى.
النفط في قلب الأزمة.. احتياطي ضخم وإنتاج منهار
وأوضح سعيد الزغبي أن دوافع واشنطن لا تقتصر على اعتبارات إنسانية أو أمنية، بل تعكس طموحًا اقتصاديًا واضحًا منسجمًا مع رؤية ترامب “أمريكا أولًا”، لافتًا إلى أن فنزويلا تمتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم يقدَّر بنحو 300 مليار برميل، في حين تراجع إنتاجها من 3 ملايين برميل يوميًا عام 2013 إلى أقل من 800 ألف برميل في 2025 بفعل العقوبات المتتالية.
وأضاف أن الحصار الجديد، الذي يستهدف جميع الناقلات المعاقبة، يهدف بالأساس إلى الضغط على مادورو للتنازل عن السلطة أو فتح المجال أمام عودة الشركات الأمريكية، وعلى رأسها “شيفرون”، إلى السوق الفنزويلية، وهو ما انعكس بالفعل على أسعار النفط التي ارتفعت بنسبة 1% عقب الإعلان.
وشدد الزغبي على أن الخطاب الأمريكي حول “مكافحة المخدرات” ليس سوى غطاء سياسي، مؤكدًا أن الهدف الحقيقي يتمثل في إعادة رسم خريطة الطاقة في أمريكا اللاتينية، بما يؤدي إلى تقليص نفوذ روسيا وإيران الحليفين الرئيسيين لمادورو مقابل استعادة واشنطن لنفوذها في ما تسميه تقليديًا “الفناء الخلفي” الذي فقدته منذ حقبة هوغو تشافيز.
وحذر من أن السيناريو المستقبلي يطرح إشكالية كبرى حول احتمالات اندلاع حرب، مرجحًا أن تكون عالية ولكن بصورة غير مباشرة، موضحًا أن ترامب لن يلجأ إلى إعلان حرب رسمي لتفادي معارضة الكونغرس، بل سيعتمد على تصعيد تدريجي تحت مسمى “عمليات أمن بحري”.
وتابع أن توقيف ناقلة إيرانية قبالة السواحل الفنزويلية قد يشعل ردود فعل متبادلة تجر طهران ثم موسكو إلى دائرة الصراع، خاصة في ظل تراجع الدعم الأوروبي لأوكرانيا وتحول تركيز واشنطن نحو أمريكا اللاتينية خلال عام 2025.
وأشار الزغبي إلى أن انهيار الاقتصاد الفنزويلي بصورة كاملة، مع احتمالات وصول التضخم إلى نحو 1500%، قد يدفع أطرافًا من المعارضة، مثل خوان غوايدو، إلى المطالبة بتدخل أمريكي، وهو ما يمنح واشنطن غطاء “الدعوة الداخلية” بدلًا من صورة الغزو المباشر.
وأكد أن تداعيات هذا التصعيد لن تظل محصورة داخل فنزويلا، إذ قد يؤدي ارتفاع أسعار النفط إلى 100 دولار للبرميل إلى ضغوط قاسية على اقتصادات أوروبا والصين، في الوقت الذي يعزز فيه روسيا وإيران تحالفهما في مواجهة ما يصفانه بـ”الإمبريالية الأمريكية”، بما يزيد من حدة التوتر في الشرق الأوسط.
هل تصبح فنزويلا عراق ترامب الجديدة؟
واختتم سعيد الزغبي تصريحاته بالقول إن الولايات المتحدة قد لا تعلن حربًا رسمية على فنزويلا، لكن حصار كراكاس يمثل حربًا اقتصادية مكتملة الأركان قابلة للتحول إلى صراع مسلح في أي لحظة إذا اختار مادورو الرد بقوة، متسائلًا: هل تصبح فنزويلا “عراق ترامب” الجديدة؟ مؤكدًا أن المؤشرات الحالية تقول نعم، ما لم يتدخل المجتمع الدولي لاحتواء هذا المسار التصعيدي.

