قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

زيارة البرهان إلى القاهرة.. رسائل حاسمة وخطوط حمراء ترسم ملامح الدور المصري في الأزمة السودانية

الفريق أول عبد الفتاح البرهان
الفريق أول عبد الفتاح البرهان

في لحظة إقليمية بالغة التعقيد، جاءت زيارة الفريق أول عبد الفتاح البرهان إلى القاهرة لتتجاوز إطار المجاملات الدبلوماسية، وتعكس عمق التشابك بين المسارين المصري والسوداني في ظل تصاعد الأزمات الأمنية والسياسية بالمنطقة. زيارة حملت في توقيتها ودلالاتها رسائل واضحة، تعكس قلق القاهرة من تطورات المشهد السوداني، وتؤكد في الوقت ذاته ثبات موقفها من الحفاظ على وحدة السودان واستقرار مؤسساته، باعتباره ركيزة أساسية للأمن القومي المصري والإقليمي، وفق قراءة اللواء نبيل السيد، الخبير العسكري والاستراتيجي.

زيارة في لحظة حاسمة

اللواء نبيل السيد يؤكد أن البيان الرسمي الصادر عن الرئاسة المصرية بشأن الزيارة يحمل دلالات بالغة الأهمية، إذ تضمن لغة حاسمة وصريحة بشأن ما وصفته القاهرة بالخطوط الحمراء التي لا يمكن السماح بتجاوزها تحت أي ظرف. ويشرح أن أولى هذه الخطوط تتعلق بوحدة السودان وسلامة أراضيه، وهو أمر تعتبره مصر مسألة وجودية، خاصة في ظل تعدد الأطراف المسلحة وتصاعد الدعوات لتجزئة الأرض أو فرض كيانات سياسية موازية.

 ويري السيد أن القاهرة رفضت الاعتراف بأي قوة خارج إطار الدولة السودانية لأنها تدرك أن تقسيم السودان أو إضعاف مؤسساته يعني فتح الباب أمام حالة فوضى إقليمية يصعب السيطرة عليها.

مؤسسات الدولة.. صمام أمان السودان

من جانب آخر، يرى اللواء نبيل أن تشديد مصر على حماية مؤسسات الدولة السودانية يعكس قناعة واضحة بأن سقوط هذه المؤسسات سيقود البلاد إلى مسار تفكيك شامل، وربما إلى حرب أهلية طويلة الأمد. 

فمصر، كما يقول، تدرك أن وجود دولة مركزية قوية في الخرطوم هو شرط أساسي لتحقيق الاستقرار الإقليمي، ولذلك جاءت رسالتها واضحة بأن المساس بالمؤسسات خط أحمر يستدعي استعدادًا لاتخاذ التدابير المطلوبة وفق ما يسمح به القانون الدولي واتفاقيات الدفاع المشترك بين البلدين.

ويضيف السيد أن القاهرة لا تنظر إلى الزيارة باعتبارها مجرد لقاء سياسي، بل باعتبارها جزءًا من تحرك دبلوماسي وأمني واسع النطاق، في ظل دورها داخل الرباعية الدولية الساعية لوقف إطلاق النار وفتح ممرات إنسانية آمنة.

ويشير إلى أن مصر تُحصّل خلال هذه المرحلة زخمًا سياسيًا مهمًا، يضعها في قلب المشهد السوداني كلاعب أساسي قادر على التأثير في مسار الأحداث وتوجيهها نحو حلول أكثر توازنًا بعيدًا عن سيناريوهات الانهيار والتقسيم.

رسائل مزدوجة للداخل والخارج

ويؤكد اللواء نبيل السيد أن الزيارة حملت أيضًا رسائل واضحة للداخل السوداني، أهمها أن مصر ملتزمة بالوقوف إلى جانب الدولة السودانية وليس أي طرف آخر، وأنها لن تسمح بانحراف مسار السودان نحو التفكك أو الفوضى، أما الرسالة الموجهة للخارج فتتمثل في أن أي ترتيبات تخص المشهد السوداني لا بد أن تمر عبر القاهرة أو على الأقل بالتنسيق معها، باعتبارها الأقرب جغرافيًا والأكثر ارتباطًا تاريخيًا والأشد تأثرًا بما يجري على الأرض.

ملامح مرحلة جديدة في العلاقات

في الختام، يرى الخبير الاستراتيجي أن زيارة البرهان إلى مصر تُفتح صفحة جديدة في مسار العلاقات بين القاهرة والخرطوم، صفحة تضع قواعد ثابتة للعلاقة وتحدد ملامح المرحلة المقبلة بوضوح غير مسبوق.

تكشف زيارة البرهان إلى القاهرة عن مرحلة أكثر وضوحًا وحسمًا في التعاطي المصري مع الأزمة السودانية، مرحلة تقوم على تثبيت الخطوط الحمراء ومنع الانزلاق نحو سيناريوهات التفكك والفوضى. وبينما يزداد المشهد تعقيدًا على الأرض، تبرز القاهرة كلاعب محوري يسعى إلى حماية الدولة السودانية من الانهيار، واحتواء تداعيات أزمة تتجاوز حدود السودان لتلامس استقرار المنطقة بأكملها. هكذا، لم تكن الزيارة حدثًا عابرًا، بل رسالة استراتيجية تؤكد أن أمن السودان جزء لا يتجزأ من معادلة الأمن القومي المصري، وأن أي تسوية مستقبلية لا يمكن أن تُصاغ بمعزل عن هذا الثابت.