قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
عاجل
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

كامل السبتي: أتمنى أن تكون رواية "ظل الدرفش" شمعة في طريق تحضرنا وإنسانيتنا

حسين منصور ورولا عبيد خلال مناقشة الرواية
حسين منصور ورولا عبيد خلال مناقشة الرواية

علق "كامل السبتي" الكاتب والمترجم والفنان التشكيلي المقيم في السويد،على المائدة العلمية التي رأسها السفير رضا الطايفي مدير صندوق مكتبات مصر العامة، وأسهم فيها، ولأول مرة، 14 ناقدًا ومبدعًا لتحليل رواية "ظل الدرفش" التي كتبتها الروائية "مريم هرموش"، وكان "كامل السبتي" مفجر شرارتها الأولى.
وقد علق "السبتي" في رسالته على هذه الرواية بقوله: إن اختيار مثل هذه القضية موضوعًا للكتابة الروائية، في زمننا الراهن، لهو إنجاز كبير في حد ذاته.
وأتمنى أن يتم استيعاب هذا الموضوع والنظر إليه على أنه من القضايا الأساسية التي يجب علينا جميعًا عدم إغفالها طالما أننا نبحث لنا ــ نحن العرب ــ عن موطئ قدم يعيننا على الوقوف مجددًا بين باقي الأمم والشعوب.
فالنظر إلى جميع الأفراد على قدم المساواة، ومساعدة بعضنا البعض على تجاوز أعباء الحياة، لكفيل لأن نحيا جميعًا في وطننا العربي، حياة كريمة نافعة، وعلينا أن نتعلم، شعوبًا ومسؤولين، أن احترام القيمة الإنسانية للبشر، أنفع لكل الشعوب في منطقتنا، من الاستعلاء، وبث الفرقة، والتعامل بازدواجية وقسوة.
إنني أتمنى أن تكون رواية "ظل الدرفش" شمعة في طريق تحضرنا وإنسانيتنا، وأتمنى أن تكون هذه الرواية بذرة خير وحب وتفاؤل، يتكفلها بالرعاية أدباءنا ومثقفينا، ونخبة المجتمع العربي الواسعة..
كل الاحترام والتقدير إلى الأديبة الشجاعة "مريم هرموش"، التي تتناول هذا الموضوع، فتضع اصبعها على جرح غائر، ليس على المستوى الشخصي لفرد ما، بل هو جرح عميق لا يريد أن يندمل، عانت ولا تزال تعاني منه، شريحة واسعة، حاق بها إجحاف كبير منذ عهودٍ سحيقة.. ألف شكر لك ولقلمك المنصف يا مريم.
--
والآن نعود إلى فرسان هذه المائدة التي ناقشت "ظل الدرفش" لنستأنف التعرف على الأفكار الأساسية التي طرحت فيها.
وكنا قد تعرفنا في القسم الأول من تغطيتنا على أهم ما طرحه السفير رضا الطايفي، ومؤلفة الرواية، والكاتب الصحفي مصطفى عبدالله، والناقدين القديرين الحائزين على جائزة الدولة التقديرية في الآداب الدكتور حسين حمودة، والدكتور خيري دومة.
واليوم نتوقف مع أيمن السميري الكاتب والروائي البارز صاحب رواية "شارع بن يهودا" الذي يقول: جميل أن تصلنا الأصوات البعيدة، جميل أن يكتب أحدهم القصة الأخرى المسكوت عنها… الألم الذي سٌجن في مأساة صاحبه.

"أحدهم" هذه المرة ليس هو "أحدهم"، إنها "مريم هرموش" وقد قررت استنطاق يحيى ليحكي عن المختلف والمغاير في عالمنا الأوسطي، ليخبرنا عن المأساة التي في الرحلة، ليعيد ترتيب تاريخ "عراقين"، عراق ملكي حالم بالتطور والمساواة، ثم عراق جمهوريات الخوف، والإقصاء على الطائفة، والهوية. عراق قتل أخاه، وقهر أباه، وحرّم على يحيى حرية اعتقاده. "ظل الدرفش" ليست رحلة المندائي الأخير وحده، بل هي رحلة كل "الأغيار" في جغرافيا الشرق الأوسط التي تمور بالانقسامات، التي تفضي إلى انقسامات أصغر، تماما كشرخ في جدار تفرعت عنه شقوق وتشرذمات، تتمدد كشرارة صاعقة في جسد مترهل بالكراهية، والهوس على الطائفة والمٌعتقد.
أما الكاتب والمترجم الدكتور إسحاق بندري فيقول: في أحدث رواياتها "ظل الدرفش"، تقدم الروائية مريم هرموش إضافة جديدة لما يمكن أن نطلق عليه "أدب اللجوء" العربي المعاصر، لكنها بذكاء يُحسَب لها الابتعاد عن الرصد التوثيقي لمعاناة المهاجرين. ففي هذا النص تتخطى مريم هرموش حدود القصة الواقعية أو التقليدية لتتحول الرواية إلى تشريح سيكولوجي وسوسيوبوليتكي لمفاهيم الانتماء والاغتراب والفقد سواء في الوطن أو في المهجر بما يسلط الضوء على إشكاليات الهوية. من خلال تتبع قصة عن أبناء طائفة الصابئة المندائيين، تُشَكِّل الكاتبة نصًا يتفحص تأثير الفقد المرير حينما يمتزج مع غربة الانتماء، كما يعمل على تحويل المأساة الفردية إلى مرآة تنعكس عليها التبعات القاسية للصراعات والتحولات الكبرى. 
تصور شخصية "يحيى" نموذجًا للبطل التراجيدي، فهو ليس مجرد ضحية للحرب والتمزق، لأن مأساته أعمق وأصعب؛ فهو يمثل أحد أفراد الأقليات الدينية وهي طائفة الصابئة المندائيين، وهي جماعة دينية صاحبة خصوصية روحية وتاريخية قديمة. هذا الانتماء تسبب في أن يعيش يحيى اغترابًا داخل وطنه الأم (العراق) بفعل نظرات الريبة والتشكيك سواء المستتر أو الصريح، مما جعل هجرته إلى السويد في النهاية رحلة من الغربة بالداخل إلى المنفى بالخارج.
وتليه الدكتورة بسمة الصقار الصيدلانية الباحثة في الآثار المصرية القديمة والناقدة فتقول: "رسّام وكاتب ولاجئ أيضًا… وكلّ الأشياء التي تجعل المرء يتشرّد" 
من تلك الجملة العميقة، التي تحتلّ موقعها في قلب رواية "ظلّ الدرفش"، يمكننا أن نتسلّل بحذر بين صفحات هذا العمل الذي يتناول، بمنتهى النعومة والجرأة، واحدًا من أخطر الأمراض التي تعاني منها مجتمعاتنا العربية، وهو تنامي الديماجوجية الدينية الهادفة إلى تعميق الاختلافات العقائدية وشقّ نسيج الشعوب العربية. وقد نجحت هذه الممارسات بالفعل في أن تجعل بطل الرواية، أو السارد الرئيس للنص، لاجئًا ومشرّدًا.

صاحب الخوف قلب يحيى منذ طفولته، حين شاهد بعينيه جثّة الأمير عبد الإله، آخر وليّ عهد الأسرة المالكة في العراق، معلّقة على جسر في العاصمة بغداد.
وانطلاقًا من هذا المشهد، ناقشت الكاتبة على مدار فصول الرواية التحوّلات السياسية التي مرّ بها العراق منذ الاحتلال العثماني حتى فترة حكم حزب البعث، وتعارض الشعارات السياسية البرّاقة التي رفعتها ثورة عام 1958 — من ضمانات اجتماعية، ورخاء اقتصادي، وحرية العقيدة — مع الواقع الأليم الذي عانى منه هذا الشعب العظيم من ظلم وتقليص للحريات الشخصية والعقائدية، والاضطهاد الذي طال الأقليات العرقية والدينية، مما دفعهم إلى الفرار، نجاةً من مصير حتمي: إمّا السجن أو القتل.
«ما لا يُقال لا يموت… بل ينتظر حتى نُسمّيه».
تألّقت الكاتبة في تجسيد التحوّلات النفسية والمشاعر الإنسانية وصياغتها بمنتهى الدقة، فجعلت المتلقّي يقرأ بوجدانه عوضًا عن عينيه.
المؤرخ والروائي الدكتور طارق منصور" قال: "الدرفش لا يموت، بل ينام في ظله من ضل الطريق" بهذه العبارة المقتبسة من (ص 139) يستهل المدخل إلى رواية الكاتبة اللبنانية - المصرية مريم هرموش، الأحدث. 
وحتى لا يتساءل القاريء عن ماهية الدرفش يقول: حري بنا أن نبين أصل الكلمة، فهي مفردة فارسية الأصل، وإن كانت غير متداولة في المجتمعات العربية، وتسري في الأغلب الأعم على ألسنة من يؤمنون بما يرمز إليه الدرفش، وما له من دلالة روحية وأخلاقية. وهو شعار طائفة الصابئة المندائيين، ورمزهم الديني، وهو ما يلفظ في لغتهم بكلمة درافشا أو درابشا. 
الكلمة تعني العلم أو الراية، وهم يُطلقون عليه درافشا اِد يهيا يُهانا، والعبارة تعني راية يوحنا المعمدان، "يحي بن زكريا" آخر أنبياء الصابئة المندائيين. 
يظهر الصمت في الرواية كبطل من أبطالها، رغم أنه لم يبح بشيء، عما حدث أو يحدث لكل مغاير للسلطة. الخوف والصمت متلازمتان عاش بهما أبناء الطائفة المندائية على أرض العراق، ليزداد الشعور بالغربة بينهم وهم على أرض الوطن، بل نجح المجتمع بجهل -وربما عن عمد- في دفع أبناء الطائفة ليتساءلوا عن جدوى وطن لا يشعر فيه المرء بذاته، أو بالأمان على أرضه، أو بكينونته المتجذرة بين النهرين عبر مئات السنين!

قدمت مريم هرموش وصفًا دقيقًا، يمزق الأفئدة، ويقتلعها من بين الضلوع، وهي تصف رحلة الهروب من العراق، لتذكرنا برحلة هروب العائلة المقدسة إلى مصر، حين جاء الملاك إلى يوسف النجار وقال له: "خذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر"، وبهذا خرج ثلاثتهم إلى أرضٍ آمنة لتدثرهم،  وبالمثل فعل يحيى وزوجته وابنته، الذين جعلوا من السويد ملجأهم. غير أن البحر الغادر ابتلعهم، ولم يفق يحيى إلَّا وهو راقد في إحدى مستشفيات اليونان بجزيرة ليسبوس، ولم يتبق معه من أسرته سوى دمية ابنته "دانة"، وماله الذي كان يخفبه في ملابسه، وصورة باهتة لابنته.

لقد استطاعت الرواية أن ترصد رحلة الخوف والألم داخل النفس المندائية، سواء على أرض الوطن أم خارجه؛ كما استطاعت أن تكشف الستار عن الشعور بالغربة، ومرارة الصمت، والفقد والألم، الذي انعكس في أفعال أبطال الرواية؛ وإذا كان هناك ثمة بطل في الرواية فليس يحيى أو تارا، الطبيبة النفسية المعالجة له، بل الخوف والصمت والألم، هؤلاء الثلاثة هم البطل الحقيقي لأحداث الرواية، التي تدور حول ذاتها على هذا المفصل الرئيس للأحداث.

وهنا نعود إلى فلسفة العنوان، "ظل الدرفش"، لندرك أن الدرفش لن يموت، وأن الظل يشير في حقيقة الأمر إلى البقاء، كما يشير إلى النور، فليس هناك ظل بدون نور، والنور كالطهارة، كلاهما من عناصر العقيدة المندائية؛ وكما تقول مريم هرموش في عنوانٍ رئيس في الرواية:
"من النور جئت وإلى النور أعود"، و"حين يطوى النور، يبقى الظل يحرس السر" (ص 153، 159).
وللناقدة التونسية مُنية قارة بيبان رئيسة رابطة الكتاب الأحرار في بنزرت رؤيتها التي طرحتها عبر تقنية الفيديو تحت عنوان كبير هو: "أوجاع الصمت وحلم الخلاص في "ظلّ الدرفش"، فقالت:  لقد استعادت مريم هرموش في روايتها "ظل الدرفش" ثنائيات فلسفية وجودية عديدة أرّقت الإنسان منذ الأزل كثنائية الخير والشر، الحب والكراهية، التطرف والتسامح، إلى ثنائيات من نوع آخر ولدها الراهن العربي خاصة تجلوها علاقة الإنسان بتراثه، الوطن والمنفى، الأنا والآخر.. 
تتوزع الأحداث في الرواية بين الحاضر والماضي، حيث تتداخل الأزمنة في تناغم مع تقاطع الأسئلة، كما تتفاعل الخطابات، الخطاب التاريخي مع الخطاب التخييلي، وتتداخل الأجناس الأدبية كالقصّة والمذكرات والرسائل..
يتحوّل الخطاب الروائي في بعض فصول الرواية إلى ضرب من السرد التاريخي، إذ تستعيد الشخصية تاريخ العراق وتتالي الأنظمة فيه بدءًا من نهاية الحكم العثماني إلى عهد الملكية والانتداب البريطاني إلى النظام الجمهوري راصدة تاريخ الحروب, تلك التي عاشها يحيى في صورة "جندي مندائي في الجيش العراقي".. 
  ولم يكن السرد بضمير الأنا سوى مرايا تكشف أعماق الذوات المتشظية، وأسئلتها الخانقة: هل يكون الصمت سبيلًا للهرب من الموت؟ هل نرث هويتنا أم نبنيها ونشكلها بوعينا؟ هل يمكن أن نحمل الوطن في حقيبة سفر؟ أيهما أشدّ وأقسى الغربة في المنفى أم الغربة في الوطن؟
ونصل إلى المهندس عيسى بيومي الأديب والمفكر الذي كتب لنا من هامبورج: "ظل الدرفش.. صرخة للإنسانية".. في أحدث إبداعاتها تقدّم الكاتبة الموهوبة "مريم هرموش" نموذجًا لقهر الخوف في حياة البشر؛ الخوف من مجتمع يرفض التعدد والاختلاف، سواء في العقيدة الدينية أو المذهب السياسي، والخوف من عالم حاشد لا تحكمه قيم ومبادئ، وإنما المصالح المادية الصرف، والخوف من الذات حين تحجم عن المقاومة وتستسلم لواقعها، فتغدو ضحية لكل أنواع الخوف.
إنها لا تسرد قصة حياة يحيى العراقي وكيف انتزعه خوف التآمر والاضطهاد من مجتمعه بسبب دينه ليَفِرَّ هاربًا بزوجته وابنته من وطنه وأهله وعشيرته، وإنما تسرد حياة كل من يشذ عن المجموع برأي أو موقف، فلا يجد سوى الرفض والامتهان والتهديد بالانعزال والمحو، ليمسي الخوف ملجأه، والهروب مذهبه، إلى حيث يتخفّى من نفسه وممّن حوله.
"ومن قال لك يا يحيى إنَّ زمننا زمنُ تعقّلٍ وتنوّر؟!" قالها صديقه زياد وهو ينصحه بالهروب.
ويتحدث حسين نوح الفنان التشكيلي والكاتب والمنتج فيقول: في ظل الدّرفَش قدمت السرد الأدبي لخطورة الخوف من المحيط الذي يعاقب الفرد المحوري في العمل على عقيدته مرة فيصبح منبوذاً بالعقيدة وأخرى من الخواء للعقل الجمعي فيصبح الواقع رمادي طارد فيجعل صاحب الأرض والمواطنة يتركها عنوة وجبراً هارباً لاجئاً خائفاً من المجهول بعد ان حارب من اجلها فيفقد ابنته وهي المستقبل في المياه التي قدمتها الكاتبة في عقيدة المندائية (الصابئة) انها للتطهر ولكنها أصبحت للموت فيزداد الخلل النفسي الصمت  ومزيد من أسئلة واعية تطرحها الكاتبة في نسيج ناعم مغزول بمهنية يلتحف بعنف واقع يجعل كرم بعض الأوطان ان تنتج منكوبين ويغير المياه من الاغتسال والتطهر الي الموت ، متعة عقلية ووجهة نظر عميقة لما يُعيب بعض النظم والجهل بحرية العقيدة المورثة وحتمية إعمال العقل. 
ولأول مرة تشترك "رولا عبيد" الكاتبة والمترجمة والمخرجة المسرحية في نشاط ثقافي بالقاهرة، فهي معتكفة منذ سنوات، وقد قالت: منْ مِنَا لم يتأثر وتدمع عيناه لمشهد الطفل الغارق آلان الكردي ذي السنتين وقد لفظه البحر على شواطئ المتوسط. مازالت صورته وهو ملقى على وجهه راسخة في الأذهان حتى الآن. وآلان الكردي ليس الطفل الوحيد الذي لقي هذا المصير، فكثيرون آخرون أطفالا وكبارا ونساء ورجالا من كل أنحاء العالم العربي لقوا المصير ذاته لكن الإعلام لم يسلط الضوء عليهم كما سلطه على الطفل آلان الكردي.
ونحن هنا في رواية "ظل الدَّرَفش" أمام قصة مشابهة عن أبٍ عراقي من منطقة الأهوار في جنوب العراق يفقد ابنته الوحيدة "دانة" التي لم تتجاوز السبعة أعوام وزوجته أثناء محاولة هروب فاشلة بالمراكب المطاطية من شواطئ تركيا إلى اليونان لينجو بنفسه ويكابد مرارة الوحدة والفقد وحيدا في بلد غريب وفي ظل ظروف قاسية. ربما الزمن في الرواية سابق لعملية الهروب الجماعي عبر ذات الطريق أثناء ثورات الربيع العربي التي وصلت ذروتها عام ٢٠١٥، فأحداث الرواية تدور في سبعينيات القرن الماضي في عهد صدام حسين، ولكن في النهاية تبقى أسباب اللجوء متشابهة في ظل أنظمة استبدادية وقمعية وحروب دامية وظروف اقتصادية سيئة.
نحن أمام رواية تطرح تساؤلات عدة عن مفهوم الأوطان والانتماء والهوية. ويقول يحيى بعد أن يزور العراق مرة أخرى "حين أفاضل بين غربة الوطن وبرودة المنفى، لا أجد سوى الحيرة فكلاهما مر. كلاهما موت. لكن بلون ومذاق مختلف". 
ونستمع إلى رأي المهندس علي قطب الكاتب والباحث الحاصل على جائزة الدولة التشجيعية ٢٠٢٥: "شاطئ الذات الآخر في رواية ظل الدرفش لمريم هرموش"؛ من الحياة في ظلال العلامات إلى إطلاق الظل ليصبح ذاتا تتحدث بصوتها تختار مريم هرموش لرواياتها عنوان الظل، فتجمع بين الدلالتين: دلالة التصنيف الثقافي ودلالة البحث عن الآخر المتناثر في مراكب المهاجرين، وتنطلق من الشرق العربي إلى الغرب الأوروبي عابرة مناطق ثقافية مترامية شائكة، وبحار مضطربة الأمواج بعواصفها التي تغرق فيها أحبة وأحلام، وإن لم يفقد الإنسان الأمل في عبور منطقة الظل ليختبر مواهبه الكامنة تحت ميراث الخوف، فيجد في نفسه ملكة رسم عالم لا يخلو من جمال مع ما فيه من آلام، ليصنع سردية جديدة، تمزج الحياة بين شاطئين ينازعه فيهما الاغتراب والغربة.

لم يستطع يحيى الحياة مع أسرته الصغيرة في ظل أسرة الوطن الكبيرة، ولم يكن هذا جديدا بالنسبة للعائلة المكونة من الزوجين والابنة، لقد قتل بلطجية الحي أخاه، وسقط والده في اكتئاب أعاقه عن ممارسة مهنة الصائغ التي كان يصب فيها موهبته وطاقته، وشهد يحيى في طفولته تحولات الخمسينيات، ودموية التقلبات السياسية في العراق، ومع قناعته بأن يعيش في الهامش فإن الهامش لفظه بالوشايات، وخرج من العراق في متوالية غربة إلى الأردن، إلى تركيا، إلى اليونان، إلى بلغاريا، إلى السويد.


وترى الدكتورة منة الله سامي كاتبة القصة ومحررة الأخبار الإنجليزية في قناة النيل الدولية أنه كما برعت "هرموش"  في وصف جميع حالات "يحيى"، وخلجات نفسه من القوة إلى الضعف، من الإيمان القوي إلى نوازع النفس، من الاستقرار إلى التشتت، من التيه إلى محاولة البحث عن الراحة والسعادة، من الوحدة إلى التأقلم مع العالم الجديد في السويد، من الجهل باللغة إلى العمل بالترجمة الأدبية.
جعلتنا نعيش مع "يحيى" رحلته ونتنفس هواء بيته، دكان والده، قاربه، المستشفى في اليونان، ونراه والأوحال تغطيه أثناء رحلة عبوره للحدود من اليونان إلى أقرب بلد إليها عبر الغابات، حيث الحيوانات تنتظره والطقس لا يرحمه.
ولكنها دائمًا تجد لنا متنفسًا كي نلملم أوراق روحنا الممزقة اللاهثة وراء "يحيى" وآلامه، فتارة نجد "أوليا" المرأة الإنسانة التي تنقذه من الغابات في مدينة "إيجايلاوجراد"، وتوفر له المسكن الآدمي والأمان، وتساعده على الوصول إلى السويد، حيث يجد "فيفي" و"تاجه" اللذان قدما له يد العون في هذا البلد البعيد الذي لم يعتد على أجوائه.