قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال.. سباق نفوذ جديد يهدد وحدة الدول والأمن الإقليمي

الصومال
الصومال

في ظل تحولات متسارعة تشهدها منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر، جاءت خطوة الاعتراف الإسرائيلي الأحادي بما يعرف بـ"أرض الصومال" لتفجر موجة واسعة من الجدل السياسي والقانوني، وتفتح بابًا جديدًا أمام تساؤلات كبرى حول مستقبل الإقليم وحدود النظام الدولي القائم على سيادة الدول ووحدة أراضيها. 

فالخطوة التي وصفتها دوائر دبلوماسية عديدة بأنها “سابقة خطيرة” لا تعد مجرد إجراء سياسي منفرد، بقدر ما تمثل وفق تقديرات خبراء القانون الدولي تحولًا جوهريًا في طبيعة التوازنات الإقليمية.

ويحذر مراقبون من أن الاعتراف لا يقتصر أثره على الداخل الصومالي أو حدود الإقليم محل النزاع، بل يمتد ليشمل معادلات الأمن البحري في البحر الأحمر وخطوط التجارة الدولية، ويعيد إلى السطح المشروعات الاستعمارية القديمة، لكن بصياغات سياسية جديدة تستند إلى التحالفات العسكرية والاقتصادية بدلًا من الاحتلال المباشر.

 كما يربط خبراء الملف بين هذه الخطوة وبين سباق النفوذ المحتدم في المنطقة، خاصة مع حساسية موقع أرض الصومال الاستراتيجي المطل على واحد من أهم الممرات البحرية في العالم.

وفي مقابل ذلك، تتصاعد أصوات رافضة داخل دول المنطقة ومؤسسات إقليمية ودولية، ترى في الاعتراف الأحادي انتهاكًا صارخًا لقواعد القانون الدولي، وتهديدًا لمبدأ وحدة الدول وسيادتها، فضلًا عن كونه عاملًا قد يشجع حركات انفصالية أخرى، ويفتح الباب أمام سيناريوهات عدم استقرار ممتدة.

مستشار قانون دولي: مصر على خط الدفاع الأول.. والاعتراف بصومالي لاند استهداف مباشر للأمن القومي العربي والأفريقي

وصف الدكتور محمد محمود مهران، الخبير في القانون الدولي وعضو الجمعيات الأمريكية والأوروبية والمصرية للقانون الدولي، الاعتراف الإسرائيلي الأحادي بما يسمى أرض الصومال بأنه جريمة دولية منظمة ومخطط استعماري حديث يستهدف إعادة رسم خريطة المنطقة بما يخدم الأطماع الإسرائيلية التوسعية.

مهران: الاعتراف بصومالي لاند جزء من مخطط تهجير الفلسطينيين وتطويق مصر استراتيجياً

وقال الدكتور مهران في تصريحات خاصة لصدى البلد: "ما شهدناه ليس مجرد اعتراف دبلوماسي عابر كما قد يتصور البعض، بل هو عملية معقدة ومتعددة الطبقات تجمع بين الانتهاك الصارخ للقانون الدولي، والتآمر على القضية الفلسطينية عبر مخطط التهجير القسري، والسعي لتطويق مصر استراتيجياً، وتفتيت الدول العربية والأفريقية لإضعافها وتحويلها إلى كيانات هشة سهلة السيطرة عليها".

وأضاف مهران: عندما نحلل هذه الخطوة من منظور القانون الدولي، نجدها تنتهك كل المبادئ الأساسية التي قام عليها النظام الدولي منذ عام 1945، فهي تخالف مبدأ السيادة الإقليمية المنصوص عليه في المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، وتنتهك مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتتجاهل كافة قرارات مجلس الأمن الدولي التي تؤكد على وحدة الصومال، وتتعارض مع مبادئ الاتحاد الأفريقي الذي يرفض بشكل قاطع تغيير الحدود الموروثة عن الاستعمار.

وتابع: الخطورة الحقيقية تكمن في أن إسرائيل تحاول خلق سابقة دولية جديدة تسمح بالاعتراف بالكيانات الانفصالية دون موافقة الدولة الأم، وهذا يعني فتح باب الفوضى على مصراعيه أمام مئات الحركات الانفصالية في جميع أنحاء العالم، مما سيؤدي إلى انهيار النظام الدولي القائم على احترام الحدود واستقرار الدول.

وحول ارتباط الاعتراف بمخطط تهجير الفلسطينيين، كشف الدكتور مهران أن القناة الإسرائيلية الرابعة عشرة فضحت الصفقة القذرة التي تربط الاعتراف بصومالي لاند مقابل قبولها استيعاب الفلسطينيين المهجرين من غزة، وهذا يكشف أن ما نواجهه ليس مجرد قضية دبلوماسية بل جريمة تطهير عرقي ممنهجة تستهدف تصفية القضية الفلسطينية نهائياً عبر تهجير أكثر من مليوني فلسطيني إلى القارة الأفريقية.

وفيما يتعلق بأسباب التمسك المصري الشديد بالرفض، بين مهران أن مصر ليست دولة عادية تتفرج على ما يحدث في محيطها، بل هي دولة محورية تدرك تماماً أن استهداف الصومال اليوم هو استهداف لمصر غداً، فالمخطط الإسرائيلي واضح: السيطرة على القرن الأفريقي من خلال صومالي لاند، والسيطرة على منابع النيل من خلال إثيوبيا وسد النهضة، وتطويق مصر من الجنوب والجنوب الشرقي لخنقها مائياً وبحرياً واستراتيجياً.

كما أضاف أن مصر تتمسك برفضها لأسباب قانونية أولاً، فهي ملتزمة بميثاق الأمم المتحدة وبمبادئ القانون الدولي التي تحترم سيادة الدول ووحدة أراضيها، ولأسباب استراتيجية ثانياً، لأن السماح بتفتيت الصومال يعني فتح الباب أمام تفتيت دول عربية وأفريقية أخرى، ولأسباب أمنية ثالثاً، لأن وجود إسرائيلي عسكري على بعد مئات الكيلومترات من الحدود المصرية يشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي المصري.

واستطرد قائلا: مصر تدافع عن مبدأ قانوني وأخلاقي أساسي وهو رفض التهجير القسري للفلسطينيين، فالشعب الفلسطيني له حق ثابت وغير قابل للتصرف في البقاء على أرضه، وأي محاولة لتهجيره تمثل جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية بموجب نظام روما الأساسي، ومصر ترفض أن تكون شريكاً أو صامتاً على هذه الجريمة.

وشدد مهران على أن مصر تدرك أيضاً أن السيطرة الإسرائيلية على صومالي لاند تعني السيطرة على مضيق باب المندب، أحد أهم الممرات المائية في العالم، مما يهدد الملاحة المصرية والعربية في البحر الأحمر ويعطي إسرائيل قدرة على خنق التجارة المصرية والتحكم في شريان حيوي للاقتصاد المصري والعربي.

وحول البعد الأفريقي، قال أستاذ القانون الدولي ان مصر كدولة أفريقية كبرى ترفض أي محاولة لتفتيت القارة الأفريقية، وتؤمن بأن وحدة الدول الأفريقية هي الضمان الوحيد لاستقرار القارة وتنميتها، وأن السماح بنجاح المخطط الإسرائيلي في الصومال سيشجع قوى استعمارية أخرى على دعم حركات انفصالية في دول أفريقية مختلفة.

ورأى الدكتور مهران أن الموقف المصري الرافض ليس موقفاً عاطفياً أو انفعالياً، بل هو موقف استراتيجي محسوب يستند إلى قراءة عميقة للمخاطر، وإلى التزام راسخ بالقانون الدولي، وإلى إدراك كامل بأن الدفاع عن وحدة الصومال هو دفاع عن الأمن القومي المصري والعربي والأفريقي، وأن مصر ستقود المواجهة القانونية والدبلوماسية والسياسية ضد هذا المخطط الاستعماري الجديد حتى إحباطه بالكامل.