يواصل الذهب ترسيخ مكانته كملاذ آمن وأداة تحوط رئيسية في أوقات عدم اليقين، ومع اقتراب عام 2026 تتجه أنظار المستثمرين والبنوك المركزية على حد سواء إلى المعدن الأصفر باعتباره أحد أكثر الأصول قدرة على امتصاص الصدمات الجيوسياسية والاقتصادية.
وفي هذا السياق، أصدر بنك جولدمان ساكس تقريرًا موسعًا ضمن "توقعات السلع لعام 2026"، رسم فيه ملامح مستقبل الذهب، محددًا المحركات الأساسية للصعود والمسار السعري المتوقع خلال العام المقبل.

الذهب الرهان الأفضل داخل أسواق السلع
أكد تقرير جولدمان ساكس أن الذهب يُعد الرهان الأفضل داخل مجمع السلع بالكامل خلال عام 2026، مرجحًا استمرار الاتجاه الصعودي للأسعار، مع إمكانية تجاوز المستهدف السعري البالغ 4,900 دولار للأوقية، في حال تزايد مشاركة المستثمرين الأفراد إلى جانب البنوك المركزية في تنويع المحافظ الاستثمارية والتحوط من المخاطر العالمية المتزايدة.
ويرى البنك أن الذهب يستفيد من بيئة عالمية تتسم بارتفاع المخاطر الجيوسياسية، وتباطؤ النمو في بعض الاقتصادات الكبرى، إلى جانب استمرار التوترات بين القوى الدولية الكبرى، ما يعزز جاذبية المعدن كأصل دفاعي طويل الأجل.
البنوك المركزية محرك هيكلي لأسعار الذهب
أوضح جولدمان ساكس أن البنوك المركزية تمثل المحرك الهيكلي الأهم لأسعار الذهب، متوقعًا استمرار الطلب القوي خلال عام 2026، بما يسهم بنحو 14% من الزيادة المتوقعة في السعر بحلول ديسمبر من العام نفسه.
وأشار التقرير إلى أن متوسط مشتريات البنوك المركزية من الذهب قد يصل إلى نحو 70 طنًا شهريًا خلال 2026، مقارنة بمتوسط 66 طنًا خلال الأشهر الـ12 الماضية، وهو مستوى يفوق بنحو أربعة أضعاف متوسط المشتريات قبل عام 2022، الذي كان يدور حول 17 طنًا شهريًا فقط.
استراتيجيات الاحتياطي وإعادة تعريف المخاطر
أرجع البنك هذا التحول في سلوك البنوك المركزية إلى تداعيات تجميد الاحتياطيات الروسية في عام 2022، والذي أعاد صياغة مفهوم المخاطر الجيوسياسية لدى صناع السياسات النقدية عالميًا. كما أشار إلى الدور المتنامي للصين، حيث يسعى البنك المركزي الصيني إلى دعم تدويل اليوان، في وقت لا تزال فيه حصة الذهب ضمن احتياطياته أقل نسبيًا مقارنة بالبنوك المركزية الكبرى الأخرى، ما يفتح المجال لمزيد من الشراء خلال السنوات المقبلة.
المستثمرون وقود الموجة الصعودية المقبلة
وفيما يخص المستثمرين الأفراد والمؤسسات المالية، أشار التقرير إلى وجود فجوة واضحة في مستويات حيازة الذهب، ما يمثل وقودًا محتملاً لموجة صعود جديدة.
ولفت إلى أن صناديق الذهب المتداولة تمثل حاليًا نحو 0.17% فقط من المحافظ المالية الخاصة في الولايات المتحدة، وهو مستوى أقل بنحو 6 نقاط أساس من الذروة المسجلة في عام 2012.
وقدّر جولدمان ساكس أن كل زيادة بمقدار نقطة أساس واحدة في حصة الذهب ضمن المحافظ المالية الأمريكية قد تؤدي إلى ارتفاع سعر الذهب بنحو 1.4%، ما يعكس حساسية الأسعار العالية تجاه تدفقات الاستثمار الفردي.
المسار السعري المتوقع للذهب خلال 2026
رسم التقرير مسارًا سعريًا تفصيليًا لأسعار الذهب على مدار فصول عام 2026، حيث توقع حدوث تصحيح سعري مؤقت خلال الربع الأول يدفع الأسعار للتراجع إلى نحو 4,200 دولار للأوقية. ومع دخول الربع الثاني، يُرجح أن تعاود الأسعار الصعود إلى قرابة 4,400 دولار.
أما خلال الربع الثالث، فتوقع البنك تسجيل مستويات قياسية جديدة تقترب من 4,630 دولار للأوقية، قبل أن يبلغ الذهب مستهدفه النهائي عند نحو 4,900 دولار للأوقية خلال الربع الرابع من العام.
الذهب كأداة تأمين في عالم مضطرب
واختتم جولدمان ساكس تقريره بالتأكيد على الدور المتنامي للسلع، وعلى رأسها الذهب، كأداة تأمين فعالة في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية، واشتداد المنافسة التكنولوجية، خاصة في مجال الذكاء الاصطناعي بين الولايات المتحدة والصين، وهو ما يعزز من مكانة الذهب كأصل استراتيجي في المحافظ الاستثمارية خلال المرحلة المقبلة.

توقعات الذهب خلال 2026
ومن جانبه، قال المحلل الاقتصادي إسلام الأمين، إن أسعار الذهب شهدت منذ نهاية الأسبوع الماضي ارتفاعات متتالية وقوية في الأسواق المحلية، مدعومة بصعود البورصات العالمية، حيث بلغ سعر جرام الذهب عيار 21 نحو 6070 جنيهًا مقارنة بـ 5950 جنيهًا سابقًا.
وعن حركة سوق الذهب خلال الفترة الأخيرة، أشار الأمين، في تصريحات لـ "صدى البلد"، إلى أن هناك إقبالًا ملحوظًا على شراء السبائك الذهبية بهدف الاستثمار.
وبخصوص توقعات أسعار الذهب للعام المقبل، أكد الأمين أن الذهب ارتفع خلال العام الجاري بنسبة تجاوزت 70%، نتيجة عدة عوامل، أبرزها الأحداث الجيوسياسية والتقلبات الاقتصادية العالمية، وعلى رأسها الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ بداية ولايته الجديدة، بالإضافة إلى الحرب التجارية ضد الصين، وخفض البنك الفيدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة ثلاث مرات متتالية خلال العام.
وأضاف الأمين أن التطورات الجيوسياسية الأخرى، مثل الضربات الإسرائيلية لإيران والحصار الأمريكي على فنزويلا، ساهمت أيضًا في دعم ارتفاع الذهب عالميًا.
وحول إمكانية أن يشهد الذهب زيادة مماثلة خلال عام 2026، أوضح الأمين أن الأسعار ستعتمد بشكل أساسي على قوة واستمرار هذه الأحداث الجيوسياسية والاقتصادية، مشيرًا إلى أنه مع تراجع حدة هذه التطورات قد تنخفض الأسعار، في حين أن تصاعدها سيؤدي إلى المزيد من الصعود في أسعار الذهب.