قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

تحصين رئيس مطعون في شرعيته


يبدو أننا لا نتعلم من دروس الماضي، بل ونصر على استخدام نفس الأساليب والأدوات التي ثبت فشلها عمليا أو عدم اتساقها مع ما نتطلع إليه في المستقبل، وقد لا أجد ذلك مفهوما اللهم إلا لسبب وحيد هو أن العقول التي كانت تقود الدولة في الماضي، تحاول أن تقودها أيضا في المستقبل وهو ما يخلق مثل هذا التناقض الواضح مع التطلعات لمستقبل مختلف وأفضل.
إنها قضية "التحصين"، التي تثير حفيظة العديد من خبراء القانون وكذلك المهتمين بالشأن العام والسياسي، والتي تتعلق بقرارات لجنة الانتخابات الرئاسية، ومن قبلها تعديلات قانون الاستثمار والتي تقصر الطعن على العقود بين الحكومة والمستثمرين على طرفي التعاقد فقط، دون المواطنين الذين هم أصحاب المصلحة الأولى في تلك العقود والحكومة تنوب عنهم فيها فقط.
ويستحوذ تحصين قرارات لجنة الانتخابات الرئاسية على الاهتمام الأكبر نظرا لأنه الأكثر خطورة على مستقبل مصر، والغريب أن مبررات التحصين في كل مرة هى ذاتها، وكأنه لم يكفنا ما حدث جراء التحصين. لقد حصنت المادة 28 الشهيرة من الاعلان الدستوري الصادر من المجلس العسكري بعد ثورة 25 يناير قرارات لجنة الانتخابات الرئاسية من أجل تحصين منصب الرئيس، لكن هذا الإجراء منع فقط اللجوء للمحكمة الدستورية، لكنه لم يمنع التشكيك ودعاوى تزوير الانتخابات، وخاصة قضية طباعة بطاقات تصويت في المطابع الأميرية والتي لم نعرف مصيرها بعد.
ومن هنا يمكن القول هل الأولوية تتعلق بتحصين منصب الرئيس بقانون هش قد يسقط في فخ عدم الدستورية سريعا أم إجراءات قانونية منضبطة لا تحتمل الشك أو التأويل. لقد نسيت العقول التي كانت وراء فكرة التحصين أن دستور 2014 يحظر تحصين أي قرارات حكومية أو إدارية، لأن التحصين ببساطة يحرم المواطن من حق التقاضي.
وستظهر هذه المعضلة سريعا مع طعن أحد المرشحين على أي قرار للجنة الانتخابات الرئاسية، وبالتالي سيحال الأمر إلى المحكمة الدستورية العليا التي ستنظر في مدى توافق قانون الانتخابات الرئاسية مع الدستور.
ويؤكد العديد من الفقهاء القانونيين والدستوريين أن المحكمة الدستورية ستقضي بعدم دستورية قانون انتخابات الرئاسة، وفي ذلك الوقت قد يكون هناك رئيس منتخب بالفعل، مما يعني بطلان الانتخابات الرئاسية وما ترتب عليها، وإذا لم يطبق حكم البطلان لأي سبب أو اعتبار سيكون لدينا رئيس مطعون في شرعيته، وفي كلتا الحالتين سيكون ذلك ضد استقرار مصر وضد تحصين منصب الرئيس.
والغريب أن الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور، وهو رئيس المحكمة الدستورية سابقا، قد تجاهل رأي قسم الفتوى والتشريع في مجلس الدولة الذي أخذ بعدم جواز التحصين وأخذ برأي الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية العليا، رغم أن كلا الرأيين استشاري وغير ملزم, بالإضافة إلى أن رأي الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية لا يمنع الطعن بعدم الدستورية أيضا، لكنه "يعرقل الدعوى القضائية لحين وجود قضاة يتصدون لها ولم يشاركوا في تقديم الرأي الاستشاري"، على حسب قول الفقية الدستوري الدكتور محمد نور فرحات.
وكنت أتطلع إلى أن ينحاز الرئيس منصور وهو قاضي دستوري جليل إلى إعمال القانون والدستور وليس الأخذ بأي مبررات أو اعتبارات سياسية على حساب القانونية، لأنه لا انصلاح لأحوال مصر في المستقبل بدون سيادة القانون والدستور.
وربما نسي البعض أو تناسى ما حدث من مظاهرات واحتجاجات غاضبة عندما أصدر الرئيس السابق محمد مرسي إعلانه الدستوري المزعوم في نوفمبر 2012، ومحاولته تحصين قراراته وإهدار استقلال السلطة القضائية وسيادة القانون والدستور، فما الذي يمنع تكرار ذلك عند صدور حكم من الدستورية العليا وعدم تنفيذه، خاصة أن هناك من يتربص بالسلطة الجديدة في مصر بعد ثورة 30 يونيو، بالإضافة إلى شعور الكثير من الشباب، الذين كانوا في طليعة ثورتي 25 يناير و30 يونيو، بالإحباط وشعورهم بأن الأوضاع تتجه إلى العودة لما قبل 25 يناير، مما قد يعني انضمامهم ولو بعد فترة إلى المعسكر الرافض للحكم الحالي في مصر.
إن الكرة ما تزال في ملعب الرئيس منصور بتعديل قانون الانتخابات الرئاسية بما يتفق مع رأي مجلس الدولة ووضع إجراءات قانونية تسمح بالطعن على أي إجراء والفصل في هذه الطعون خلال مدد محددة، لا تزيد 9 أيام على أقصى تقدير وفقا لرأي قسم الفتوى والتشريع، من أجل الحصول على رئيس منتخب غير مطعون في شرعيته أو مشكوك فيها.