قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
عاجل
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

السلطة ليست هدفاً


السلطة وسيلة لتحقيق هدف أكبر هو رفاهية وتقدم الشعب الذى ستحكمه، والسلطة هى هدف مشروع للأحزاب والتيارات السياسية، لأن كلاً منها لديه برنامج سياسى للتقدم والإصلاح ستعمل على تحقيقه، وفى حال فشلها سيغيرها الناس بالطريقة نفسها التى أتوا بها للسلطة.
والحقيقة أن الجدل المتصاعد حول موضوع سحب الثقة من حكومة «الجنزورى» لصالح تشكيل حكومة جديدة يسيطر عليها الإخوان - أمر سيثير كثيراً من المشكلات الكبرى، خاصة أننا مقبلون على انتخابات رئاسة الجمهورية واختيار لجنة تأسيسية لكتابة الدستور.
والواقع أن التجارب الانتقالية الناجحة هى التى أشرف على إدارتها حكومات شبيهة بالحكومة الحالية - أى تضم وزراء أغلبهم تكنوقراط ولا ينتمون لأحزاب سياسية، حتى يمكن العبور بالمرحلة الانتقالية إلى بر الأمان ودون أجندات حزبية، حتى تنتهى الانتخابات ويوضع الدستور وتشكل حكومة جديدة منتخبة تعبر عن الأغلبية البرلمانية، وبدور للرئيس فى اختيار عدد من وزرائها، كما هو موجود فى النظم شبه الرئاسية.
إن معضلة تشكيل حكومة حزبية يسيطر عليها «الإخوان المسلمين» أنها ستضع لأول مرة منذ 60 عاما على قمة الإدارة المصرية حكومة ذات لون سياسى محدد، وهو أمر، على مشروعيته، ليس سهلا، خاصة إذا كان الهدف من تشكيلها ليس الوصول إلى السلطة إنما إصلاحها وإصلاح مؤسسات الدولة والإدارة، وهو أمر لا يمكن أن يتحقق قبل كتابة الدستور وانتخاب الرئيس لمعرفة الصلاحيات المعطاة للحكومة، وحتى لا تصبح هذه الحكومة طرفا فى تجاذبات عملية كتابة الدستور وانتخابات الرئاسة. إن وجود حكومة حزبية أثناء كتابة الدستور وإجراء انتخابات الرئاسة سيثير علامات استفهام، ويفتح الباب واسعا أمام سلسلة من الاتهامات حول تحيزات الحكومة لصالح مرشح رئاسى بعينه أو إلى محاولة السيطرة على الإدارة وأجهزة الدولة فى غفلة من الزمن، وفى ظل غياب الدستور والرئيس.
فلنا أن نتصور كيف سينظر الناس للانتخابات، فى ظل حكومة بها وزير عدل ينتمى لـ«الإخوان»، وآخر فى الداخلية مدعوم منها، وثالث فى الخارجية مرضى عنه وهكذا، كيف يمكن أن يثق الناس بمسار انتخابات، فى ظل حكومة حزبية، وهم الذين من الآن يتحدثون عن صفقات وترتيبات لانتخاب رئيس دون دليل على وجودها؟! إن كتابة الدستور وإجراء انتخابات الرئاسة فى ظل حكومة انتقالية غير حزبية هو شرط لنجاح التجربة الديمقراطية الوليدة فى مصر وهو أمر لا يحول دون إعطاء هذا الحق لـ«الإخوان» أو غيرهم بعد كتابة الدستور الذى سيحدد صلاحيات هذه الحكومة والرئيس.
صحيح أن حديث «الإخوان» عن استعدادهم لتشكيل حكومة ائتلافية سينقل، من حيث المبدأ، النظام السياسى المصرى خطوة للإمام، ويدفع تياراً رئيسياً فى المجتمع والحياة السياسية المصرية إلى التصرف، باعتباره حزباً سياسياً طبيعياً، بعيدا عن حديث «إخوان الدعوة» عن الزهد فى السلطة ودعم كل من يطبق شرع الله إلى حديث «إخوان السياسة» عن إعلان رغبتهم المشروعة للوصول إلى السلطة وتطبيق برنامجهم السياسى ماداموا قد حصلوا على الأغلبية. والمؤكد أن «الإخوان المسلمين»، على خلاف جماعات سياسة أخرى، تتسم بصفتين رئيسيتين: الأولى هى قيام الجماعة بنشاط دينى دعوى وسياسى فى الوقت نفسه، والأخرى أنها اعتادت أن تقوم بمراجعات فكرية بعد تغير الظروف السياسية المحيطة، وليس نتيجة مراجعات نظرية تسبق تغيرات الواقع.
ونظريا، فقد أقدم «الإخوان» بعد ثورة 25 يناير على تأسيس حزب سياسى جديد (الحرية والعدالة) منفصلا عن الجماعة «التى مازالت غير قانونية» ولكنه، عمليا، مازال واقعاً تحت تأثيرها، وأن تحولات الواقع السياسى ستجبر الحزب على الانفصال التنظيمى والسياسى عن الجماعة آجلا أم عاجلا. ولعل موضوع تشكيل «الإخوان» الحكومة سيفرض تحديات جديدة أمام الجماعة، وسيثير تساؤلات حول قدرتها على استمرار هيمنتها على الحزب السياسى فى حال تشكيله أى حكومة قادمة.
والحقيقة أن حكومة - وربما حكم «الإخوان» القادم - سترث دولة، تبدو كل المؤشرات التى حولنا أن لا أحد حريص على إصلاحها، فما بين خطاب احتجاجى يسعى إلى تفكيك كل شىء يقف أمامه خطاب محافظ يبقى تقريبا على كل شىء دون أى إصلاح، خوفا من الاحتجاجات الفئوية والمزايدات الصارخة، التى لا تجعل هناك أى رغبة فى مواجهة أى فاسد، فما بالنا إذا كانت التهمة انعدام الكفاءة والإهمال؟! والتى يصعب تحديدها إلا بتوافق كل القوى السياسية على ضرورة تحمل ثمن الإصلاح المؤسسى لأجهزة الدولة.
إن معارك تفكيك الدولة مسؤولة عنها أحزاب مدنية وائتلافات ثورية وأخطاء مجلس عسكرى، وكلهم على طريقتهم فككوا فى بنية هذه الدولة، وقدموها هدية سهلة لأى حكم جديد، الذى عليه أن يعى أن أخطاء الآخرين لا تعنى سهوله النجاح، لأن تركه هذه الدولة بمؤسساتها شبه المنهارة أصعب بكثير من أن يحل مشاكلها تيار واحد، وأن الطريق السهل للوصول إلى قمة الدولة بعد معاناة السنين لا يعنى بأى حال سهولة النجاح. إن الدولة التى سترثها «حكومة الإخوان» ستحتاج إلى ثورة حقيقية لإعادة بنائها من جديد، وإن خطورة هذا الوضع أن يستسلم «الإخوان» لغواية السلطة وبريقها فيعيدوا تشكيل «وليس بناء» مؤسسات الدولة على مقاسهم وبصورة تحمى بقاءهم فى السلطة، لا أن يعتبروا أن النجاح الحقيقى لثورة مصر هو فى إعادة بناء دولة كفءٍ ونظام سياسى ديمقراطى، وليس العصيان المدنى ولا الاعتصام الدائم. إن خطوة تشكيل حكومة ائتلافية قبل انتخابات الرئاسة وكتابة الدستور سيكون تأثيرها شديد السلبية ليس فقط على المسيرة الديمقراطية الوليدة إنما أيضا على أول وصول إخوانى للسلطة منذ 85 عاما.
نقلا عن المصرى اليوم