مصر في القرآن!

ورد اسم مصر في القرآن الكريم في خمس آيات في سياق قصتي النبيين يوسف وموسي – عليهما السلام – كما في قوله تعالى: (..اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ..) البقرة 61، (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتا..) يونس 87، (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ..) يوسف 21، (..وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ) يوسف 99، (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ..) الزخرف 51.
ولفظ (مِصْرًا) جاء منوناً في الآية 61 من سورة البقرة أي ليس ممنوعا من الصرف للدلالة على أن مصر تعني المدينة المتحضرة، أما في الآيات يونس 87، يوسف 21، يوسف 99، الزخرف51 ، فقد جاء لفظ مصر بدون تنوين لأنها ممنوعة من الصرف وهي تدل على أن مصر الوطن الأعجمي.
والنبي يوسف عليه السلام قال لأبيه: (..وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ..) يوسف 100، فقد كان شرق مصر في ذلك الوقت بدويا غير متحضر، فاسم مصر له معني الوطن الذي يعيش فيه المصريون وهذا المعنى ورد في أربعة آيات في القرآن الكريم، وأيضا له معنى المدينة المتحضرة في آية واحدة، كما جاء في المعاجم في معاني كلمة مصر أنها تعني التمدن مثل: "مصروا المكان تمصيراً أي جعلوه مصراً فتمصر"، وأيضاً ورد في سيرة الخليفة عمر بن الخطاب أنه مصر الأمصار أي أنشأ المدن وأنه بعث الولاة علي الأمصار أي المدن، وقد أطلقوا في التاريخ علي مدينتي الكوفة والبصرة لقب "المصران" وهو مثنى لفظ مصر أي اعتبار أن كل منهما من الأمصار.
وقد بدأ التمدن في العالم ببناء أول المدن تاريخياً في مصر، وقد تم استخدام لفظ مصر في اللغة العربية للدلالة على قيام الدولة المدنية أو المدينة المتحضرة التي تحيط بها البوادي، فالعرب استعاروا كلمة مصر لتدل على المدينة والحضارة ثم جاء القرآن الكريم يؤكد هذا المعني مما يعتبر تأكيداً لأسبقية العمران المصري والحضارة المصرية.
كما يعبر القرآن الكريم عن مصر بلفظ الأرض، وفي القرآن الكريم عندما يتم وصف وطن ما بالأرض فهذا يعني أن قوم الوطن المشار اليه قد بلغوا درجة كافية من القوة تجعلهم يرون في أنفسهم أنهم قد تحكموا فى الأرض وملكوها وأنه ليس فيها غيرهم، كما ورد في قوله تعالي عن قوم عاد: (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً..) فصلت 15.
والقرآن الكريم وصف مصر بأنها الأرض حيث كانت الدولة فيها قوية في عصور مضت ومنها العصر الذي شهد قصة النبي موسي عليه السلام كما في قوله تعالي: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ..) القصص 4، (وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْض..) الأعراف 127، إلي قوله تعالي عن نهاية فرعون ووصف مصر بالمباركة: (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا..) الأعراف 137.
كما نقرأ قوله تعالي على لسان النبي يوسف عليه السلام: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ..) يوسف 55، فكانت خزائن مصر هي خزائن الأرض، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ..) يوسف 56.
وقد أوضح القرآن الكريم اعتزاز المصريين بأن مصر مثلت الأرض كلها قديماً حين تركزت فيها وحدها الحضارة والمدنية، وبالرغم من كل ما حدث ويحدث الآن من إرهاب ومؤامرات، إلا أن مشيئته تعالى أرادت لمصر البقاء والاستمرار.