يا محلب.. ماذا فعلت في ملف العشوائيات
كنت أتوقع أن الهدف الرئيسى من تعيين المهندس إبراهيم محلب رئيسا لمجلس الوزراء هو وضع مخطط شامل لإزالة جميع المناطق العشوائية
تماما وإعادة تخطيطها تخطيطا شاملا يتناسب مع مواقعها مع نقل سكانها لمساكن جديدة،
وبذلك تتخلص مصر ولا سيما العاصمة من البؤر السرطانية والاجتماعية المتمثلة فى هذه
العشوائيات.
والذى جعلنى وكل من يهتم بقضية العشوائيات نتوقع
ذلك أنه لم يحدث من قبل أن تم تعيين مهندس قادم من رئاسة شركة المقاولين العرب
لرئاسة الوزراء فقد جرت العادة فى العقود الثلاثة الماضية على تعيين رجال اقتصاد لهذه
المهمة الصعبة.
ولكن للأسف خاب ظن الملايين الذين توقعوا أن يتم
اجتثاث هذه البؤر العشوائية على أيدى المهندس ابراهيم محلب ولم يتخذ الرجل أى
اجراءات فى هذا الملف سوى الاجراءات التقليدية التى تعتمد على تخصيص عدة ملايين
تحت بند تطوير العشوائيات وهى كارثة لا تقل خطورة عن كارثة انشاء العشوائيات لأن
تطوير هذه المناطق بمعنى مدها بالمرافق ورصف بعض شوارعها هو تقنين وترسيخ لهذا
الوضع القبيح والشاذ فى جسد مصر.
وكان الأفضل أن يخصص 50% على الأقل من مشروع
المليون وحدة سكنية لنقل سكان المناطق العشوائية التى تقع فى مواقع قريبة من قلب العاصمة
ومن المناطق الحضرية على أن تكون هذه الشقق بدون أى مقدم وبقسط تمليك لا يزيد على
300 جنيه شهريا لمدة 50 سنة ثم ازالة هذه
المناطق تماما وإعادة تخطيطها بما يليق بموقعها، وبذلك تحقق الدولة هامش ربح كبير
من استغلال هذه الاراضى يعوض فرق دعم الشقق البديلة التى تم منحها للسكان.
مع إعطاء
الأولوية فى الإزالة واعادة التخطيط للمناطق التى تقع فى قلب العاصمة وقلب محافظة
الجيزة وعلى كورنيش النيل فى المحافظتين مثل مناطق مثلث ماسبيرو والسبتية
والترجمان وحكر ابودومة وإمبابة وبشتيل وأرض اللواء ومنشية ناصر وباقى المناطق
العشوائية والعزب المنتشرة فى السيدة زينب والمطرية وشبرا والساحل وروض الفرج
وبولاق ابوالعلا وبولاق الدكرور والمرج وحلوان وعين الصيرة ومصر القديمة والمعادى
ودارالسلام والمنيب وغيرها.
ولكن للأسف اختارت حكومة المهندس ابراهيم محلب أن
تستمر فى علاج مشكلة العشوائيات بطريقة المسكنات التى تعاملت بها الحكومات السابقة
والتى تعتمد على رصد مبالغ لرصف بعض شوارعها وتزويدها بالمرافق والخدمات تحت مسمى
تطوير العشوائيات، وأضاع الرجل على مصر
وعلى نفسه فرصة تاريخية لن تتكرر لازالة العشوائيات بالكامل على الأقل من العاصمة.
وليت رئيس الوزراء يعلم أن مشكلة العشوائيات التى
شوهت وجه العاصمة ليست مجرد تشوه عمرانى فحسب ولكن أيضا هى السبب فى الاختناق
المرورى والزحام وقبل كل ذلك هى بؤر لتفريخ الارهاب وكل الموبقات الاجتماعية من
تجارة المخدرات لشقق الدعارة لزنا المحارم للبلطجة لعمالة الأطفال.
كل هذه المشاكل لن يتم حلها بأسلوب تطوير العشوائيات التى تعمل به الحكومات
على مدار أكثر من 25 سنة وثبت فشله ..الحل هو فى الازالة التامة مثلما تم فى منطقة
عشش الترجمان وجزء من حكر ابودومة على كورنيش النيل التى تحولت الان لأبراج وفنادق
ومشروعات تعيد للقاهرة بهاءها.
وفشلت حكومة محلب فى منع البناء العشوائى غير
المرخص ليل نهار فى المناطق العشوائية حتى الان فى ظل فشل الحكومة فى توفير البديل
المناسب بعد أن تحولت وزارة الاسكان فى عهد الوزير الحالى للعمل بعقلية التاجر
الجشع المحتكر بحجة جلب أموال للخزانة العامة حتى وصل سعر الشقة فى الاسكان
الاجتماعى الى 135 الف جنيه وبشروط تعجيزية والحصول عليها بالقرعة.. ولم يهتم وزير
الاسكان ولا حكومته بأن هذا التوجه ساهم فى مزيد من التشجيع على السكن فى
العشوائيات التى توفر السكن الفورى وبايجار شهرى بسيط بدون شروط وزارة الاسكان
وقرعتها ومقدماتها التى لا يستطيع دفعها الكثيرون رغم أن المهندس محلب بحكم تخصصه
وتاريخه وخبراته هو رئيس الوزراء الوحيد المؤهل لاعادة لافتة "شقة
للايجار" ولكن للأسف !!
والغريب أن رئيس الوزراء هو أول من يعلم بأن الكثير
من البؤر والمناطق العشوائية تحتل مواقع لا تقدر بثمن ويمكن تحويل هذه المواقع
لمناطق جذب عالمية تنافس مدينة دبى اذا تم التخطيط لها بهذا الفكر..
وعلى سبيل
المثال الجانب الشرقى من كورنيش النيل بامتداده من ناحية محافظة القاهرة من حلوان
حتى شبرا بطول يزيد على 30 كيلو متر وبعمق من 500 متر الى كيلو 80 % من مساحته بؤر
عشوائية لو تم ازالتها يمكن أن تتحول هذه
المنطقة وفق مخطط شامل الى مدينة عالمية تنافس دبى لتكون مدينة للمال والأعمال
ومدينة سياحية وسكنية وادارية وترفيهية بمثابة واجهة لمصر وفى المقابل على الضفة
الغربية للنيل بمحافظة الجيزة نفس الفكرة لتصبح أكبر مدينة عالمية يتوسطها نهر
النيل وتضم العشرات من ناطحات السحاب والمئات من الفنادق العالمية والسفارات
والحدائق العالمية والأبراج السكنية والأندية والمتنزهات والمولات العالمية.
مثل هذه المدينة العالمية التى ستصبح قلب القاهرة
النابض كفيلة بمضاعفة أعداد السياح عدة مرات مع ضمان التدفق السياحى على مدار
العام مع توفير عشرات الألاف من فرص العمل و تحويل القاهرة لعاصمة تليق بمصر
وتاريخها وحضارتها بدلا من وسط القاهرة الذى تحول لبؤر للورش والباعة الجائلين
ومواقف الميكروباص والعشوائيات ولم تعد القاهرة مزارا لأى سائح.