الأيمان التي ترفعها الكفارة

اختلف الفقهاء في الأيمان بالله المنعقدة ، هل يرفع جميعها الكفارة ، سواء كان حلفا على شيء ماض أنه كان فلم يكن (وهي التي تعرف باليمين الغموس ، وذلك إذا تعمد الكذب) أو على شيء مستقبل أنه يكون من قبل الحالف أو من قبل من هو بسببه فلم يكن .
فقال الجمهور: ليس في اليمين الغموس كفارة ، وإنما الكفارة في الأيمان التي تكون في المستقبل إذا خالف اليمين الحالف ، وممن قال بهذا القول : مالك، وأبو حنيفة، وأحمد بن حنبل، وقال الشافعي وجماعة : يجب فيها الكفارة ، أي تسقط الكفارة الإثم فيها كما تسقطه في غير الغموس .
وسبب اختلافهم: معارضة عموم الكتاب للأثر، وذلك أن قوله تعالى: ( ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين ) الآية ، توجب أن يكون في اليمين الغموس كفارة لكونها من الأيمان المنعقدة .
وقوله عليه الصلاة والسلام : " من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة ، وأوجب له النار " يوجب أن اليمين الغموس ليس فيها كفارة .
ولكن للشافعي أن يستثني من الأيمان الغموس ما لا يقتطع بها حق الغير ، وهو الذي ورد فيه النص ، أو يقول : إن الأيمان التي يقتطع بها حق الغير قد جمعت الظلم والحنث ، فوجب ألا تكون الكفارة تهدم الأمرين جميعا ، أو ليس يمكن فيها أن تهدم الحنث دون الظلم ، لأن رفع الحنث بالكفارة إنما هو من باب التوبة ، وليس تتبعض التوبة في الذنب الواحد بعينه ، فإن تاب ورد المظلمة وكفر سقط عنه جميع الإثم .