المناورات الإيرانية الهندية في الخليج وإشكاليات المصالح المتبادلة

يأتي إعلان البحرية الإيرانية بأنها ستجري مناورات بحرية مشتركة مع نظيرتها الهندية في مياه الخليج العربي خلال الأيام القليلة القادمة، كاشفا عن طبيعة العلاقات بين كل من إيران والهند من جانب، وبين الهند والخليج من جانب ثان، وبين إيران والخليج من جانب ثالث خلال المرحلة المقبلة.
كما جاءت تصريحات قائد المنطقة الأولى للقوة البحرية للجيش الإيراني، الأدميرال حسين آزاد، مؤكدة طبيعة وقوة تلك العلاقة إذ قال إن "تاريخ العلاقات الإيرانية الهندية يشير إلى دورهما الفاعل في ضمان وتوفير أمن المنطقة وازدهارها الاقتصادي" .. موضحا أن "تحسين الظروف الاقتصادية في المنطقة بحاجة إلى التعاطي بين دولها، وأن إيفاد المدمرتين الهنديتين F39 وF37 إلى إيران جاء في هذا الإطار".
وبحسب آزاد فإن تبادل الزيارات بين إيران والهند يدخل في إطار توجيهات المرشد الأعلى الإيراني الذي قال عن القوات البحرية إنها "قوة سياسية دولية من شأنها أن تخدم الجهاز الدبلوماسي من خلال المشاركة في الساحة السياسية".
توتر محكوم وانفتاح محسوب
يعود تاريخ العلاقات الهندية الإيرانية إلى مطلع خمسينيات القرن الماضي، وعلى الرغم من أن العلاقات بين البلدين مرت بمرحلة فتور بعض الشيء وحرب باردة إلا أنها عادت سريعا مرة أخرى.
بدأت العلاقات بين البلدين في عام 1950، عندما وقع البلدان في 15 مارس معاهدة الصداقة التي تدعو إلى “السلام الدائم والصداقة بين الدولتين”، إلا أن الحرب الباردة التي وقعت بينهما وضعت البلدين في معسكرين متضادين دائما من دون تنمية العلاقات الثنائية، لكن سقوط الاتحاد السوفيتي وتفككه جاء ليعيد رسم خريطة التحالفات في المنطقة.
منذ بداية التسعينيات، تسعى نيودلهي وطهران إلى إقامة علاقات قوية وشاملة يدخل في إطارها الطاقة وغيرها من أشكال التعاون التجاري وتنمية البنية التحتية داخل إيران وخارجها، فضلا عن العلاقات في المجالات الاستخباراتية والعسكرية، هذه الرغبة في توسيع وتوطيد العلاقات تتمتع بتأييد واسع النطاق بين الإيرانيين والهنود على حد سواء.
ظهر التعاون بين إيران والهند جليا عام 2001، حين زار وزير الدفاع الهندي العاصمة الإيرانية طهران، وعقد فيها حوارا أمنيا حول القضايا الرئيسية بين البلدين، وفي أبريل من نفس العام جاء رئيس الوزراء الهندي آنذاك “إيتار بيهاري فاجبايي” لطهران ووقع إعلان يحفظ المصالح الهندية الإيرانية المشتركة، عرف باسم “إعلان طهران”.
وفي عام 2003 زار الرئيس الإيراني الأسبق “محمد خاتمي” الهند ووقع “إعلان نيودلهي” في 25 يناير تحت عنوان “رؤية لشراكة استراتيجية من أجل إقليم مستقر وآمن، ومن أجل تعزيز التعاون الإقليمي والدولي”، وكان لهذا الاتفاق أهمية كبيرة سواء من حيث التوقيت أو المضمون، حيث أكد التزام الدولتين بتعميق التعاون بينهما خاصة في المجالات العسكرية، كما جاء متزامنًا مع الحشد العسكري الأمريكي في الخليج العربي استعدادا للحرب على العراق.
في سبتمبر عام 2005، أحيل ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن لرفضها تعليق تخصيب اليورانيوم وفتح كافة منشآتها لتفتيش ومراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وصوتت الهند ضد إيران في هذه القضية، ثم أعادت التصويت ضدها مرة أخرى في فبراير عام 2006، وهو ما شكل محكا سياسيا بين البلدين أدى إلى إلغاء إيران للاتفاق الخاص بإمداد الهند بالغاز المسال، إلا أن الهند تمادت في موقفها المعادي لإيران في عام 2009 بتصويتها من جديد ضد إيران، وهنا ظهرت إشارات ترمي إلى أن الهند ستنضم لتيار الولايات المتحدة، وأن الشراكة الاستراتيجية بين البلدين ستشهد تناميا على حساب إيران، مما جعل برنامج التعاون العسكري الهندي الإيراني يشهد فتورا غير مسبوق، وفي نفس الوقت انسحبت الهند من مشروع أنابيب الغاز الذي كان مخططا له أن يمتد من إيران عبر باكستان إلى الهند.
ومنذ مجيء الرئيس حسن روحاني لسدة الحكم في إيران، سرت مرحلة من الانفتاح تجاه الهند، فخلال مشاركته في قمة منظمة شنغهاي ومجموعة بريكس الأخيرة في روسيا، وصف روحاني ـ خلال لقائه رئيس الوزراء الهندي ـ العلاقات الإيرانية الهندية بأنها ودية وتاريخية .. معربا عن أمله في أن يشكل هذا اللقاء الأساس لحركة سريعة تدفع العلاقات الثنائية بين إيران والهند نحو الأمام .. مشيرا إلى طلب الهند لتنمية ميناء جابهار الإيراني على بحر عمان وكذلك انضمام الهند للكريدور الذي يوصل الشمال بالجنوب وقال : إن الحكومة الإيرانية ليس لديها أي مانع أمام تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية مع الهند.
كما أكد الرئيس روحاني استعداد الحكومة الإيرانية للتعاون مع الهند في مجال الاستثمار في قطاع النفط والغاز وكذلك تنمية ميناء جابهار وقطاع السياحة والتعاون بين القطاع الخاص للبلدين وخاصة في المجالات العلمية والتكنولوجية. مشددا على أهمية دور إيران والهند في مكافحة الإرهاب في المنطقة.
ثم جاءت زيارة وزیر الخارجیة الإیراني “محمد جواد ظریف”، للهند كمحطة رابعة وأخيرة ينهي بها جولته الإقليمية، والتي زار خلالها لبنان وسوريا في الإسبوع الأول من أغسطس الجاري لتدشين فرصة مناسبة لتطوير العلاقات بين البلدين، حيث أكد ظريف أن لإیران علاقات جیدة مع الهند باعتبارها بلدا کبيرا ومهما في المنطقة، وعضوا في حركة عدم الانحیاز، وأن وجهات نظر البلدین متقاربة إزاء الكثیر من القضایا الدولیة.
مصالح متبادلة ومشتركة
تحتاج الهند إلى إيران لتحقيق مجموعة من الأهداف المتنوعة في آسيا الوسطى، ومن جانبها ترى إيران أهمية كبيرة في التكامل مع الهند. فكل من إيران والهند تسعيان إلى تقويض الأحادية القطبية من جانب الولايات المتحدة، وكلتا الدولتين لا تشعران بالارتياح تجاه الدور الذي تقوم به الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط وذلك رغم أن كلتيهما يرتبطان بعلاقات مختلفة ومتنوعة مع الولايات المتحدة.
وكل من إيران والهند يتشاطران القلق إزاء الحالة الأمنية الداخلية في دول آسيا الوسطى، وذلك نتيجة لخوفهما المشترك من تجدد نفوذ الإسلاميين السنة في أفغانستان ومناطق أخرى ولهذا ترى الدولتان أن هناك خطرا قد يحدث في حالة تزايد النفوذ الباكستاني في المنطقة، ورغم ذلك تسعى الدولتان إلى استثمار المنافع التجارية للأسواق في آسيا الصغرى.
إيران من جانبها تحتاج إلى شريك مثل الهند له علاقات متطورة في النظام الدولي، وهو الأمر الذي قد يفيد إيران على الأقل بسبب العزلة التي فرضت عليها منذ انتخاب الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد عام 2005 وموقفه المتشدد بشأن البرنامج النووي الإيراني، وما يزيد الأمر صعوبة على إيران هو بداية تقارب الاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة وتبني مواقف متماثلة مع الولايات المتحدة الأمر الذي أدى في النهاية إلى تصويت مجلس الأمن بالإجماع في ديسمبر 2006 بفرض عقوبات على إيران في حالة عدم توقفها عن تخصيب اليورانيوم.
وعندما توترت العلاقات الهندية ـ الإيرانية بسبب تصويت الهند في الوكالة الدولية للطاقة الذرية في سبتمبر 2005، وفبراير 2006 ضد إيران، أظهرت نيودلهي في النهاية قدرة كبيرة على تحقيق التوازن بين الحاجة إلى طهران مع الاهتمام بتأمين العلاقات مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي.
الهند والخليج توجه مشترك
ومن ناحية أخرى، لا يزال الجانب الاقتصادي هو العمود الفقري في العلاقات الهندية - الخليجية، إذ أصبح مجلس التعاون الخليجي شريكا تجاريا رئيسيا للهند، وهو ما تعكسه زيادة إجمالي حجم التجارة بين نيودلهي ودول الخليج من حوالي 55.5 مليار دولار أمريكي عام 2000 / 2001 إلى 158.41 مليار دولار عام 2012 / 2013.
علاوة على ذلك، هناك حوالي 6 ملايين عامل هندي يشكلون الجزء الأكبر من العمالة الوافدة في دول مجلس التعاون الخليجي، ما ترتبت عليه زيادة التحويلات المالية من هذه العمالة إلى الهند، والتي بلغت 29.29 مليار دولار أمريكي وفقا لإحصاءات البنك الدولي في عام 2012، وبما يمثل 47% من إجمالي التحويلات المالية للهند من كل دول العالم، فضلا عن أهمية تعزيز روابط الهند مع دول الخليج، من خلال الآتي:
أولا: التعاون الأمني والعسكري المشترك: تحاول الهند تعزيز الروابط الأمنية مع دول الخليج، فوقعت خلال الأعوام الأخيرة اتفاقيات للتعاون الدفاعي مع الإمارات وقطر وعمان، كما تتطلع نيودلهي إلى توقيع اتفاقية للتعاون الدفاعي مع السعودية، وتهدف الهند من خلال هذه الشراكة إلى التصدي للقرصنة وتأمين إمدادات الطاقة وضمان سلامة خطوط الاتصالات البحرية، وتأمين مصالحها في الجزء الغربي من بحر العرب والمحيط الهندي.
ثانيا: تعزيز التفاهم السياسي والشراكة الاستراتيجية: في إطار الطبيعة الجغرافية السياسية المعقدة لمنطقة الخليج، ومع رغبة الهند في تحقيق طموحاتها، ثمة حاجة نيودلهي إلى تعزيز التفاهم السياسي مع دول الخليج، واعتماد تدابير في هذا الصدد لنيل ثقة القيادات الخليجية، مثل الزيارات السياسية رفيعة المستوى التي لا تزال محدودة، والحيادية وعدم اتخاذ مواقف داعمة لأي من الأطراف الإقليمية في أية أزمة محتملة، وعدم التدخل في الشئون الداخلية لدول الخليج.
ثالثا: أهمية الخليج بالنسبة للهند في العالم الإسلامي: إذ أن بناء علاقات استراتيجية مع دول الخليج سوف يساعد في تعزيز مصالح الهند مع العالم الإسلامي، خاصةً بعد أن ساهم اقتصاد الهند المتنامي وصعودها كدولة ديمقراطية في تشكيل صورة إيجابية عنها في البلدان الإسلامية، كما أن دول الخليج تلعب دورا نشطا في عدد من المنظمات الدولية والإقليمية مثل منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية؛ وبالتالي من الأهمية بمكان للهند الاستفادة من هذه الآليات في دعم علاقاتها بالعالم الإسلامي عبر دول الخليج.
رابعا: إقامة علاقات هندية متوازنة مع دول مجلس التعاون الخليجي وإيران: لأن انقسام المنطقة على أسس سياسية وعرقية يبقى تحديا أمام الهند، ولذا ثمة ضرورة قصوى لإقامة علاقات متوازنة مع جميع البلدان، خاصة دول مجلس التعاون الخليجي (السعودية على وجه خاص)، وإيران باعتبارهما من أهم الدول الفاعلة في المنطقة.
وفي النهاية، يبقى التأكيد على أن العلاقات المتشابكة بين إيران والهند وبين الهند والخليج وبين الأخيرة وإيران ستكون محور التفاعلات المستمرة خلال المرحلة المقبلة وخاصة بعد التوجه الإيراني والاقتراب الجديد نحو دول الخليج على نحو يبدد الشكوك في الطموحات والأطماع الإيرانية في المنطقة وهو أمر يتطلب المزيد من التفاعلات الإيجابية البناءة التي تحافظ وتحقق أمن واستقرار المنطقة برمتها.