"مرحبًا بكم في الجحيم" شعار المستشفى الميداني في التحرير

"مرحبا بكم في الجحيم" لافتة حملها أحد المتطوعين عند مدخل المستشفى الميداني بمسجد عباد الرحمن القريب من شارع محمد محمود الذي تقع فيه المواجهات بين قوات الأمن والمتظاهرين.
والعبارة لها مدلولها، فقبل أن يتمكن الأطباء من علاج العدد الذي يتدفق باستمرار من المصابين على مستشفاهم الميداني المؤقت في ميدان التحرير مقر الاحتجاجات، كان عليهم أولا أن يعالجوا أنفسهم من أثر الغاز المسيل للدموع الذي يعبئ الأجواء.
وحتى عملية تقديم الرعاية الطبية للشبان الذين يواجهون قوات الأمن المصرية محفوفة بالمخاطر، إذ يقول طارق سالم، وهو أحد الأطباء الذين ظلوا يعملون في المستشفى الميداني حتى وقت متأخر من مساء الأربعاء، إن ثلاثة من الأطباء المتطوعين قتلوا حتى الآن بسبب العنف.
وأضاف أن جميعهم أطباء حديثي التخرج، وأشار إلى أن أحدهم قتل اختناقا من أثر الغاز، بينما قتل الآخران بطلقات نارية أصيبا بها بينما كانا يفحصان بعض المصابين خارج المستشفى الميداني.
وذكر أن رائحة الغاز لا تقل شدة داخل المستشفى الميداني عنها على خط النار القريب، حيث واجه شبان سلاحهم الوحيد هو الحجارة قوات الأمن الأربعاء في سادس يوم من الاحتجاجات ضد المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يدير شئون البلاد.
وأشار إلى أن قنبلة واحدة على الأقل يوميا تسقط في قلب المستشفى الميداني المقام في الجامع الصغير الحجم، ما يؤدي لاستمرار أثر الغاز في المكان الضيق لفترة طويلة، والمستشفى لا يعدو كونه بطاطين موضوعة على الأرض، وتم تطويق المنطقة التي يجري فيها علاج المصابين بشريط لاصق، وتتكدس فيها كميات كبيرة من الإمدادات الطبية.
كان بعض الأطباء يضع أقنعة واقية من الغاز بينما غطى آخرون وجوههم بأقنعة طبية غير مخصصة لمهمة الوقاية من الغاز.
وقال سالم: "يصلنا جريحان أو ثلاثة كل دقيقة، ونحو 60% أو 70% منهم نتيجة الاختناق والباقي نتيجة طلقات الخرطوش أو الرصاص".
وأضاف أنه في حين أن البعض يغادر المستشفى الميداني خلال دقائق، إلا أن البعض لقي حتفه.
وقال سالم إن أربعة لفظوا أنفاسهم الأخيرة داخل المستشفى الأربعاء، اثنان نتيجة الاختناق واثنان نتيجة الرصاص، ونقلت جثثهم سيارات الإسعاف التي يتعين عليها محاولة السير وسط حشود غفيرة في ميدان التحرير لنقل الجثث أو المصابين بجروح خطيرة.
وكان هناك أكثر من عشرة أطباء يتحركون بهمة في أنحاء المستشفى الميداني لعلاج نحو 20 مصابا.
وأضاف سالم: "نرى تشنجات خطيرة"، وكانت ترقد وراءه حالة تظهر عليها الأعراض ذاتها التي كان يتحدث عنها، وأخرج سالم من جيبه ورقة مكتوبة بخط اليد تشرح المكونات: "غاز سي.اس" أحد الغازات المستخدمة.
الكثير من عبوات الغاز التي جمعها النشطاء لا تحمل علامات، مما أثار تكهنات باستخدام أسلحة أكثر خطورة، ونفى المجلس العسكري أمس استخدام قوات الأمن أي غازات سامة.
ومن المخاوف الأخرى، أن تكون الغازات التي تطلقها قوات الأمن منتهية الصلاحية، ورأت رويترز عبوة غاز تظهر فيما يبدو تاريخ الإنتاج في 2001 مما يوحي بأنها استخدمت بعد خمس سنوات من تاريخ انتهاء الصلاحية.
وقال سالم إن الأطباء مصرون على البقاء حتى النهاية لمساعدة المواطنين فيما يطلقون عليه صراعا لاستكمال الثورة المصرية من أجل الحرية، وتابع: "لا أحد يريد مغادرة المكان.. سنبقى هنا حتى ينتهي كل شيء".