الحسبة وحرية التعبير .. حلمى النمنم عندما يكتب عن الرقابة على حرية الفكر

أصدرت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان كتابا بعنوان "الحسبة وحرية التعبير" للكاتب الصحفي والباحث حلمي النمنم، ويقع الكتاب في 200 صفحة من القطع الصغير يتناول خلالها قضية "الحسبة"، خاصة فيما يتعلق بالرقابة على حرية الفكر، وحرية الرأي والتعبير.
وذكرت الشبكة العربية - خلال بيانها- أن أهمية الكتاب تكمن في تصاعد قضايا الحسبة سواءً قبل أو بعد الثورة، والتي تهدف إلى الحجر على أصحاب الرأي والفكر والفنانين، كما أشارت إلى قضايا الحسبة تهدد مبادئ الثورة المصرية الرامية إلى إقرار الديمقراطية والحريات، بسبب تصرفات بعض المنتسبين للتيار الإسلامي أو المحسوبين على النظام الحاكم.
وعبر عشرة فصول يتناول المؤلف قضية الحسبة، بدءًا من تعريف معنى الحسبة لغوياً وفي الدولة الإسلامية، مقرراً أنها لم تُعرف لدى المسلمين الأوائل، ومناقشا الفكرة القائلة بأنها انتقلت للمسلمين عن طريق البيزنطيين.
وفي الفصل الثاني، يرصد المؤلف تطور الحسبة تاريخياً في مصر تحت عنوان "الحسبة والمحتسب في مصر، الظهور والاختفاء"، ويتوصل إلى أنها بدأت مع الدولة الطولونية لكنها انحرفت عن الصورة المثالية لتطبيق الحسبة خاصة في العصر المملوكي والعثماني، حيث تحولت لأداة فساد سياسي ومالي.
وفي الفصل الثالث "القضاء وليس المحتسب" يرصد المؤلف اختصاص "القضاء والقضاة " لمواجهة الآراء المغايرة أو الصادمة أو المخالفة للأكثرية، حيث لم يقمْ المحتسبون أبداً بمواجهة هذا النوع من القضايا أو التضييق على أصحاب الرأي.
وفي الفصل الرابع "الجامعة وعودة الحسبة" يرصد الكاتب اختفاء الحسبة في مصر في القرن التاسع عشر، ثم بدايات عودتها مع إنشاء الجامعة المصرية (جامعة القاهرة فيما بعد)، حيث كانت أولى الحالات هي حالة جورجي زيدان، والذي رشح لمنصب أستاذ التاريخ الإسلامي في الجامعة، لكنه تعرض لحملة في الصحف بسبب ديانته المسيحية، ثم قررت إدارة الجامعة أن الأنسب لمادة التاريخ الإسلامي "أستاذ مسلم".
وعبر الفصل الخامس، يستعرض المؤلف استمرار قضايا الحسبة، كتلك التي تعرض لها أستاذ آخر بالجامعة هو د. منصور فهمي بسبب تبنيه آراء استشراقية عن النبي محمد صل الله عليه وسلم أدت إلى عزله من الجامعة، وكانت الواقعة الأشهر هي التي تخص كتاب د. طه حسين “عن الشعر الجاهلي” والتي تفاعلت بشدة في الصحف وأروقة الأزهر والنيابة، وانتهت بمصادرة الكتاب.
يخصص الكاتب الفصل السادس "أزهري أمام المحكمة" لاستعراض معركة الشيخ "عبد الحميد بخيت" أمام الأزهر والمحاكم بسبب مقال له عن الإفطار في رمضان سنة 1955.
أما الفصل السابع، فجاء ليبين دخول مصر حقبة جديدة بعنوان “"كل الأطراف في قبضة الدولة" حيث سادت الدولة المركزية بقيادة عبد الناصر ومعاونيه وتحكمت الدولة في كل الأطراف ، لذا تراجعت قضايا الحسبة، ومع ذلك كاد كتًاب ومبدعين مثل "نجيب محفوظ" و"إحسان عبد القدوس" و"مصطفى محمود" أن يكونوا ضحاياً لها لولا تدخل عبد الناصر شخصياً. ورغم ذلك تم منع رواية "أولاد حارتنا" من الطباعة في مصر.
يخصص المؤلف الفصل الثامن لرصد قضية "التكفير والتفريق" خاصة تلك التي تعرض لها الدكتور نصر حامد أبو زيد حيث دخلت قضايا الحسبة في منعطف جديد، عن طريق الفساد الإداري والتدهور العلمي الذي استشرى في الجامعات المصرية، وتسلط الأجيال الذي جعل من لجان الترقية فرصة للتشفي والانتقام بل وربما التربح من الأجيال الأصغر. وهي الواقعة التي بدأت بها قضية "أبو زيد"، قبل أن تخرج للصحافة والرأي العام.
جاء الفصل التاسع ليلفت النظر إلى "تقنين الحسبة" في مصر، حيث تم تدشين قانون الصحافة رقم 93 لسنة 1995 والذي تضمن انتهاكات جسيمة لحرية الصحافة والنشر والطباعة. وقام بتغليظ العقوبات على الصحفيين.
أما الفصل العاشر والأخير، فيكشف النقاب عن انتهاج سياسة "التخوين بدلاً من التكفير"، حيث يرصد المؤلف تصاعد قضايا الحسبة منذ عام 2004، وبدلاً من التفريق بين الزوجين، استخدمت أداة “سحب الجنسية”، سواء لأغراض سياسية، أو لما اعتقده صاحبو الدعاوى أنها دفاعاً عن الإسلام.
كما ناقش الكاتب ما أطلق عليه "الحسبة المدنية" وهي القضايا التي يحركها مواطنون ضد مسؤولي الدولة، والحكومة، بسبب إهمالها، مثل تلويث البيئة أو غير ذلك، وتعبر عن رغبة جادة في الدفاع عن قيم المجتمع الأهلي والمواطنة، لكنه يعود للتأكيد على أن ذلك النوع من “الحسبة المدنية” لم يلق الاهتمام اللازم.