سيرك الميرغني

بفعل فاعل‏,‏ تحول القصر الرئاسي الكائن في شارع الميرغني إلي ديوان كبير للمظالم يتجمع علي بابه كل سائل‏,‏ ومحتاج‏,‏ وطالب علاوة‏,‏ وزيادة في المرتب‏,‏ ووظيفة, ومعهم من ضاقت عليه دنياه بما رحبت. المتظاهرون لم يكونوا وحدهم في المكان, حيث انضم إليهم ظلهم الذي يتبعهم أينما ذهبوا, وهم ثلة من الباعة الجائلين كمقدمة لافتتاح سوق عكاظ في المنطقة, التي بدأت تسحب البساط تدريجيا من ميدان التحرير الرمز الأبرز للثورة المصرية, وتلك إهانة ما بعدها إهانة لرمزية القصر الرئاسي.
كل هذا لم يأت اعتباطا أو عفويا فمن ورائه مخطط سيئ النية والقصد أعد بعناية فائقة, لإغراق الرئيس محمد مرسي, الذي أتم بالكاد أسبوعه الأول علي الكرسي الرئاسي, في سلسلة لا تنتهي من الأزمات الشائكة المعقدة, لإرباكه, وإعاقة خططه, وخطواته الإصلاحية, وربما لدفعه, خلال نوبة غضب ويأس, للاقتداء بنظيره التونسي يوسف المرزوقي, الذي أضرب عن العمل, احتجاجا علي الحد من صلاحياته. وأيضا أن يقدم أصحاب المظالم في مرحلة تالية, عندما تغلق في وجوههم الأبواب, علي الهتاف برحيل مرسي.
كلامي لا يعني بأي شكل من الأشكال التشكيك في نبل وصدق مطالب معظم المتجمعين والمعتصمين حول قصر الاتحادية, لكنهم لا يعلمون أن خفافيش الظلام يستغلونهم لإرجاع عجلة الزمن للوراء, وضرب تجربة المصريين الوليدة في اختيار أول حاكم مدني عبر صناديق الاقتراع, فذاك غرضهم الأثيم الخبيث الذي يسعون لتحقيقه بدون الالتفات الي أنهم يدمرون البلاد, ويزيدون من مصائبها وتفسخها, ويقفون حجرة عثرة أمام انطلاق مصر علي الطريق الديمقراطي الصحيح.
فالقصة ليست حب أو كراهية مرسي القادم من جماعة الإخوان المسلمين, بل ما يمثله من معاني تغيير في بلد حكم طويلا بأدوات سلطوية لا تعرف سوي نهج البطش والتنكيل, ويجاهد لاستبداله بآخر قائم علي احترام الاختلاف, والحريات العامة, والنزاهة, ومحاسبة المخطئين من الكبار قبل الصغار. وما لا يدركه المهرولون باتجاه الاتحادية أن الضمان لتنفيذ طلباتهم التي لا تعرف سقفا, هو نجاح الرئيس المدني في تطبيق ما وعد به خلال حملته الانتخابية, فالفساد, والمحسوبية, والسرقة, لن تتواري, إلا إذا حافظنا علي الوليد الغض للثورة ورعايته, حتي يشتد ويقوي عوده.
نقلا عن الاهرام