حفل زفاف أحد الأبناء حدث ينتظره كل فرد فى العائلة، فكل ما يشغل ذهنهم الخروج بحفل زفاف يرضى عنه الحضور ويمدحون في فقراته، وحال تلك الطقوس لا يختلف كثيرًا عن تفاصيل حياتنا يتأثر بظروف العصر ويأخذ منه الشكل الملائم لطريقة تفكير مواطني تلك الفترة.

كان يسود مصر الحياة الريفية التقليدية، وكذلك حفلات زفافهم، الطبقة الغنية قبل الفقيرة تؤدى نفس الطقوس، فكانوا يتفننون في الرقص بالعصاه –سلاح ذلك العصر- فتنشب المباريات الاستعراضية بين أبناء العائلات ممتطين خيولهم فى حركات إنسيابية تثير دهشة الحضور، في حين تستعد الفتيات بتزيين المنزل من الداخل وتعليق الزينة ووضع الحناء، ويستمر دق الطبول لثلاث ليالى أو أكثر تبعًا لمستوى عائلة العروسين المادى.

كانت كذلك تضم فقرات فنية لفرق غنائية ينشدون المواويل ويدقون على الطبول، فيما يعرف "بالطبل البلدى".

دخلت الحملة الفرنسية جسد المجتمع المصرى فلم تترك مظهر من مظاهر حياتهم إلا وتركت بصماتها فيها، قسمت المجتمع طبقات حتى في طقوس احتفالاتهم، فعلمت الأغنياء تنظيم الحفلات المنمقة في القصور والحدائق، وتناول الخمور أحيانًا، وتناوب الرقصات الهادئة بين العروسين على أنغام الموسيقى الأوروبية، والاستعانة ببعض الراقصات اللاتى يحملن على رؤسهم التيجان ذات الشموع، فلم يعد هناك مكان مخصص لكل جنس، بل أصبح الحفل يضم الرجال والنساء سويًا.

لم تسلم طقوس الفتيات أيضًا من تلك اللمحة التمدنية، فدخلت مستحضرات التجميل وأحمر الشفاة وغيرها من الأدوات الحديثة إلى استعداتهم بعد أن كانت الحناء البطل الأول والأخير، والذى يميز مراسمهم.
-القرن التاسع عشر
تطورت تلك المراسم بمرور الأيام واجتياح الثورة الصناعية العالم، فأصبح هناك ما يسمى بـ "تورته الزفاف" التى كانت تتنافس العائلات على من ينتج الكعكة الأكبر والأضخم، والشربات لم يعد هو المشروب الأمثل للتعبير عن الفرح، بل جاءت المشروبات الغازية واحتلت مكانه، وظهر لأول مرة "الأوبن بوفيه" وتقديم الطعام بشكل منظم والتنويع فى الأصناف المقدمة والاستعانة بطباخين مهرة وسفرجية.
وأصبحت الفتيات يختارن تصاميم فساتين زفافهن من مجلات الموضة والجمال أشهر تلك المجلات مجلة La Gazette du Bon Ton ، لم تعد تلك السيدة "صانعة الفساتين" المتحكمة في سوق العرض والطلب، بل أصبح مفتوحًا فبإمكان الفتاة ووصيفاتها اختيار التصميم وتفصيله أو شرائه جاهزًا من المحلات المواكبة لأبرز الصيحات.

عصر مميز فى جميع الأحوال، شهد مولد شبكة الأنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى، التى جعلت العالم غرفًا صغيرة لا يوجد بينها فواصل، فبإماكن العروس شراء فستانها بضغطة زر وكذلك العريس، ولكن ليست تلك السمة التى ميزت الأفراح المصرية، دخل طابع أطلق عليه البعض "الطابع الانحرافى" فأصبح كل شيء مباح ومسموح تحت مصطلح " فرح" فلا رقابة هناك فالدين غائب والعادات اندثرت والشرطة تأبى إفساد فرحة الناس.
امتلأت الأفراح المصرية بتلك الفئة الشباب المتهور أحيانًا، فبعضهم يرى فى شرب "الحشيش" المعنى الحقيقى للتعبير عن الفرح وأطلقوا عليه "الحشيش المقدس"، والبعض الآخر يحاول إقناع نفسه بأنه على طريق الصواب فيرفض تناول المخدرات لأنها "محرمة"، فى حين يفضل إشعال الفرح بالألعاب النارية والشماريخ التى تتسبب أحيانًا فى إثارة الحرائق وإذهاق أرواح الأبرياء.

واستحدث مجموعه من شباب تلك الأيام ما يسمى ب"المهرجانات الشعبية" يأتون بالألوان والدى جى الصاخب ويرقصون بشكل هستيرى ممسكين بالألعاب الناريه والشماريخ، ويتجردون من ملابسهم ومن لا يريد أن يخلع يقوموا بتمزيق التىشيرت الخاص به عقابًا له.
وعلى الجانب الأخر، تحافظ بعض العائلات المصرية فى احتفلاتهم فيحجزون قاعة منظمة ويستعينون بفنان سواء مغمور أو مشهور بعيدًا عن صخب الحفلات الشعبية.