قال الدكتور محمد عبدالدايم الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، إنّ كل مهنة من المهن تستقي روافدها وتستمد منابعها من وعاء قلب رسول الله ﷺ؛ فالمعلم يستمد علمه من نبع النبوة، والصحفي يستقي أمانته ومعرفته من قلب النبي الكريم، مؤكّدًا أن ميلاد الرسول ﷺ هو ميلاد للوجود كله وميلاد لمكارم الأخلاق، فهو اليوم الذي وُلدت فيه رسالة الحق والعدل والنور.
وأضاف الجندي -خلال الصالون الثقافي الذي عقدته نقابة الصحفيين اليوم /السبت/- أنّه يقف في هذا الصرح ليستحضر معنى الرسالة العظيمة التي حملها النبي ﷺ، العدل والحق، وهي الرسالة التي أضاءت الكون كله، وصارت نبراسًا ينير الطريق للبشرية، موضحا أن رسالة النبي تقوم على البلاغ، وكذلك رسالة الصحفي التي تقوم على البلاغ والكلمة الصادقة، ومن ثم فإنّ الصحفي يقتدي في سلوكه وأخلاقه برسول الله، ويسعى كما سعى النبي لإجلاء الحقيقة وشقّ الظلام بنور الحق.
وأكد الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية أنّ الاحتفال بمولد المصطفى ﷺ لا يقتصر على الطقوس الاحتفالية فحسب، بل هو دعوة للعقل إلى التدبر والتفكر، من أجل صياغة المستقبل، وتجاوز تحديات الحاضر، والتخطيط لغدٍ أفضل بروح من الإيمان والعزيمة.
وأشار الجندي إلى أن النبي ﷺ لُقّب بالصادق الأمين، وهي الصفة التي تتناغم مع مهنة الصحافة، إذ لا تستقيم الصحافة من دون الأمانة. فالصحفي الأمين لا يخفي شيئًا ولا يضلّل الرأي العام، بل ينقل الواقع كما هو، ويعرض الحقائق بموضوعية وشفافية. كما شدّد على أنّ التثبت من الخبر هو منهج قرآني أصيل، ينسجم تمامًا مع مهنة الصحافة التي تقوم على التوثيق والتحقق قبل النشر.
وأشار إلى أن النقد البنّاء كان حاضرًا في رسالة الإسلام، حيث جاء لتصويب الأخطاء بعيدًا عن النيل من الأشخاص أو التشهير بهم، وهذا يتوافق مع رسالة الصحافة الصادقة التي تسعى لتقديم النقد الهادف من أجل بناء وطن آمن ومستقر.
وأكد الجندي أنّ التوازن والشمولية في الطرح من أبرز سمات الرسول ﷺ، إذ لم يكن ينظر إلى جانب واحد من الحقيقة، بل يقدّم رؤية متكاملة، وهذا ما ينبغي أن تلتزم به الصحافة المنيرة التي تنقل الخبر في إطار شامل يحيط بجميع جوانبه.
وأضاف أنّ أعظم ما يميز مهنة الصحافة هو مكانة القلم، وقد أقسم الله تعالى به في كتابه الكريم، وهو ما يدل على عظمة الكلمة وخطورتها. فالقلم الذي يحمله الصحفي اليوم هو امتدادٌ لذلك القلم الذي أقسم الله به، وهو السلاح الذي نكتب به التاريخ ونوثّق به مسيرة الأمم.
وقال الجندي إنّ الصحفيين يحملون منابر الكلمة، داعيًا إلى النظر إليهم باعتبارهم رسلًا للبلاغ، فكل صحفي هو داعية في ميدانه، وشاهد على الناس بكلمته الصادقة، مؤكدًا أنّ كبار العلماء عبر التاريخ أولوا الصحافة عناية خاصة، باعتبارها شرفًا ورسالةً عظيمة تتصل بجوهر الدين والحق.
وأكد أن الصحافة تعيش اليوم المهمة الكبرى المتمثلة في تصحيح المفاهيم المغلوطة، وهي ذاتها المبادرة التي أطلقتها وزارة الأوقاف تحت عنوان "صحح مفاهيمك". وأوضح أن أولى مهام الصحافة تتمثل في تنقية الأفكار وإظهار الحقيقة المجرّدة، باعتبارها واجبًا وطنيًا ورسالة أخلاقية تسعى إلى بناء الوعي المجتمعي وصون هويته.
وأشار إلى أن دور الصحافة لا يقتصر على نقل الأخبار، بل يمتد إلى الدور التربوي الذي يرسّخ القيم ويثبت الهوية، من خلال القلم والصورة كأداتين فاعلتين في تقديم النماذج الإيجابية، وإبراز التضحيات التي يقدمها أبناء الوطن في سبيل العزة والكرامة.
وشدّد على أن الصحافة تتحمل مسؤولية كبيرة تجاه الأجيال الناشئة، إذ تُسهم أقلامها في غرس روح الانتماء والاعتزاز بالهوية الوطنية والدينية، وتحمي الشباب من براثن التطرف والإلحاد، وذلك عبر تقديم خطاب مستنير يجذبهم إلى رحاب الوسطية ودفء رسالة رسول الله ﷺ.
وقال الجندي إنّ الصحفيين في غزة كانوا وما زالوا شهودًا على الحقيقة في أصعب الظروف، حيث قدّموا أرواحهم فداءً للشهادة بالحق، ولم يزيّفوا الكلمة أو يحيدوا عن أمانتها، حتى ولو كان الثمن حياتهم.
وأكد الجندي أنّ هؤلاء الصحفيين أدّوا رسالتهم بأمانة نادرة، في مواجهة الحصار والقتل والدمار، فسقط الكثير منهم شهداء ليؤكدوا أنّ الصحافة ميدان شهادة، وأن الكلمة الصادقة قد تعلو على كل الاعتبارات، وتصبح سلاحًا في وجه الباطل، ودرعًا لحماية الوعي الجمعي.
وأضاف أنّ دماء الصحفيين التي روت أرض غزة ستبقى شاهدًا خالدًا على أنّ الصحافة ليست مجرد مهنة، بل رسالة سامية ترتبط بالحق والعدل والإنسانية، وأنّ كل قطرة دم سالت من أجل الكلمة الحرة إنما تزيد من رسوخ يقين العالم بأن الصحافة الحقيقية لا تموت، بل تبقى صرخة ضمير في وجه الطغيان، وشاهدًا حيًا على صفحات التاريخ.
وأكد أن ميلاد النبي محمد ﷺ هو ميلاد النور والهداية، وميلاد رسالة إنسانية سامية، وأنّ على كل مهنة أن تستلهم من هذا الميلاد المبارك معاني الصدق والأمانة والإخلاص في خدمة المجتمع والوطن.
وقال إنّ الاحتفال بذكرى ميلاد النبي محمد ﷺ يجب أن يكون مناسبةً للتفكر والتدبر، ليتذكر العقل حدوده ومسؤولياته، ويعيد صياغة المستقبل بوعي، متجاوزًا تحديات الحاضر، ومخططًا لغدٍ أفضل بروحٍ من الاستنارة المستمدة من هدي المصطفى ﷺ.
الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية: ميلاد النبي ﷺ ميلاد للوجود كله ومكارم الأخلاق
