الخطبة التي ظهر فيها شاب عشريني فوق منبر أحد المساجد متحدثا عن المولد النبوي قائلا فيها بالنص "حالل علينا يوم بستين نيلة، وهو يوم المولد النبوي" معترضا على الاحتفال بذكرى النبي صلى الله عليه وسلم أمر يفجر ملف الدعاة والدعوة في مصر، وضوابط ومعايير من يعتلي المنابر التي يفترض أن تكون أهم عوامل التدين السليم والوعي بما يحيط بالأمة من تحديات ليست هناك مشكلة في أن يسجل الشاب اعتراضه، ولكن بأسلوب يتماشى مع فقه الدعوة، فلا يليق لغة ولا لفظا أن يصف أمرا مختلفا عليه " يوم بستين نيلة" مستدلا بقاعدة ليست صحيحة بأن النبي وصحبه لم يحتفلوا بهذه الذكرى فليس كل فعل لم يفعله النبي بدعة ضالة، فهناك سنة حسنة مثل الاحتفال بذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وسنة سيئة مثل أسلوب هذا الشاب في الدعوة والحديث الشريف الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن سَنَّ في الإسلام سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أجْرُهَا، وأَجْرُ مَن عَمِلَ بهَا بَعْدَهُ، مِن غيرِ أنْ يَنْقُصَ مِن أُجُورِهِمْ شيءٌ، ومَن سَنَّ في الإسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كانَ عليه وِزْرُهَا، ووِزْرُ مَن عَمِلَ بهَا بَعْدَهُ، مِن غيرِ أنْ يَنْقُصَ مِن أوْزَارِهِمْ شيءٌ.".
صحيح أن النبي وصحبه لم يحتفلوا بذكرى مولده لكن التابعين بعد ذلك احتفلوا قبل الفاطميين، وابن تيمية نفسه أشار في إحدى كتبه إلى أن "إحياء الذكرى العطرة فيها أجر عظيم" لأنها تذكرنا بحدث وشخصية وتعاليم لو اتبعها العالم لعاش في سلام وأمان.
والأهم من ذلك أن ثمة قاعدة فقهية متعارف عليها تحمينا من جهل أو تطرف الدعاة، وهي "أن الأصل في الأشياء الاباحة" ومعناها أن المنع أو التحريم لا يقع إلا بنص شرعي واضح وصريح من القرآن الكريم أو السنة النبوية الشريفة.
إن دائرة الحلال واسعة لا يمكن أن يحصيها قرآن ولا سنة، والجهل بهذه القاعدة من أسباب التشدد والتنطع كما أن أمانة الداعية تتطلب أن يعرض أراء المؤيدين وأراء المعارضين وأدلة كل منهما العقلية والنقلية، وآراء القدامى والمحدثين، وأراء المؤسسات الدينية الرسمية كالأزهر والفتوى ثم يحدد الداعية موقفه بأدب وينهي كلامه قائلا والله أعلم.
والكارثة أن يكون هذا الشاب خريج الأزهر، ضاربا بما تعلمه عرض الحائط متأثرا بأقوال متشددين ولهذا كان الاجتهاد من مصادر الشريعة بعد القرآن والسنة والعرف، والاحتفال بذكرى النبي صلى الله عليه وسلم صار عرفا مبنيا على اجتهاد قديم قبل الفاطميين، ولولا الاجتهاد لكانت حياتنا كلها حرام، ما نستورده من الغرب حرام لأن النبي لم يفعله، والانترنت الذي نقل لنا الخطبة حرام لأن النبي لم يفعله، وغيرها من المستحدثات، لهذا استنبط الفقهاء من مقاصد الشريعة قاعدة "أن الأصل في الأشياء الإباحة" ويتماشى هذا مع جوهر الدعوة بالموعظة الحسنة، ويسر الإسلام وسماحته "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين".