الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

المقاولات وأرواح مهددة


مع تعويم الجنيه ارتفعت أسعار كل السلع المستوردة, وارتفع معها سعر كل شيء فى مصر سواء محليا أو مستوردا، ومن ضمن القطاعات التى تعرضت لضربة قاصمة بسبب قرار التعويم , قطاع المقاولات الحكومية أو المقاولات العامة , حيث زادت تكلفة العديد من الخامات بنسبة 100 % ومعظم الخامات تراوحت الزيادة فى أسعارها ما بين 40 الى 60 % فى أفضل الحالات .

ولذا زادت تكلفة عمليات المقاولات الحكومية على المقاولين بنسبة تزيد عن 50 % فى خلال أسابيع قليلة , وهى زيادة مرشحة للتصاعد مع زيادة الدولار , وهو ما ألقى بظلال قاتمة على هذه الصناعة المرتبطة بأرواح العديد من الناس , سواء العاملين فى هذا القطاع وهم مئات الالاف من العمالة المباشرة والملايين من العمالة غير المباشرة , أو أرواح ساكنى منشآت تم بناؤها فى ظل هذه الظروف الصعبة , فلا يعتقد أحد ان المقاول سيدفع من ماله الخاص فرق الاسعار , لأنه ليس من الطبيعى أو المنطقى ان يدفع كل مقاول آلاف أو ملايين الجنيهات من ماله الخاص للحكومة فى عملية هو يعرف أنها خاسرة من قبل بدايتها .

ولذا فإن سيناريو المقاولات العامة فى مصر خلال المرحلة القادمة لن يخرج عن توقف كامل لأعمال المقاولات العمومية , يتبعه توقف لحركة السوق وحركة التعمير سواء فى المدارس أو المستشفيات أو المساكن أو غيرها , أو قبول البعض العمل تحت شعار المثل البلدى ( اطبخى يا جارية , كلف يا سيدى ) فتكون المكونات والمواصفات المنفذة فعليًا فى أى منشأة هى طبقًا لما تم سداده من تكلفة بأسعار اليوم , لا طبقًا للمواصفات التى تم الاتفاق عليها فى وقت إبرام العقد أو استلام أمر الشغل أو خطاب الترسية .

وعندها سنجد مبانى ومنشآت تهدد حياة الملايين من الناس أو على أسوأ الفروض ذات عمر افتراضى أقل بكثير من الطبيعى , وفى هذه الحالة ستكون الحكومة شريكة فى الكارثة , لأنها تعلم علم اليقين منذ البداية أن التكلفة المدفوعة للمقاول أقل بكثير من التكلفة الفعلية لو التزم المقاول بتنفيذ كل الشروط والمواصفات الموجودة فى وقت التعاقد , وليس أمام المقاول سوى الغش الاجبارى فى كل شيء , بداية من الخامات الى المصنعيات والمواصفات القياسية , ولذا فإن هذه المبانى والمنشآت غير آمنة مهما قالت الاوراق الرسمية غير ذلك .

ولأننى سبق وان تابعت تجربة إحدى الهيئات الحكومية فى عمل مناقصات تعبئة السكر لصالحها , والتى كان الطن يُكلف صاحب مصنع التعبئة خمسة وسبعين جنيهًا بدون مصاريف نقل , والحكومة تدفع له أربعين جنيهًا فقط شاملة مصاريف النقل والتعبئة , وكانت النتيجة انك لم تكن تجد كيس السكر المكتوب عليه عبارة ( الوزن واحد كيلو جرام ) والمحتوى فعليًا على كيلو سكر كامل سوى فى مكان واحد فقط وهو دفتر الجرد , لأن الجميع كان يعلم ان من يقوم بتعبئة السكر يحصل على فرق التكلفة من الخامات نفسها وتحت سمع وبصر الجميع دون أستثناء , وظلت هذه المنظومة تعمل لعدة سنوات حتى تم تعديلها أخيرًا .

فإذا كانت فلسفة تجربة تعبئة السكر بأقل من التكلفة الفعلية سيتم تطبيقها فى المقاولات الحكومية اليوم , فسوف نجد أنفسنا أكبر متلقٍ للمساعدات الدولية من شتى بقاع الارض فى حالة حصول هزة أرضية بسيطة فى أى مكان فى مصر , لأن كل شيء سيتم بناؤه بنفس الفلسفة سينهار فى لمح البصر , أو كما سبق وان قلت سيقل العمر الافتراضى للمبانى وستنهار من تلقاء نفسها على أحسن تقدير , وسنعيد بناؤها من جديد وبتكلفة مضاعفة.

ولذا أقترح قبل فوات الاوان , تشكيل مجموعة عمل سريعة وحاسمة برئاسة رئيس الوزراء , لعمل جدول تعويضات أو تسويات لعمليات المقاولات الجديدة أو التى لم تنته أو التى لم يبدأ العمل فيها , وذلك لوضع نسبة زيادة محددة على سعر الترسية لأى عملية , بحيث نضمن نوعًا من التوازن فى تكاليف العمليات , نسبة تضمن لنا ان المقاول لن يلجأ الى ترك الجمل بما حمل , أو يترك ضميره فى بيته قبل خروجه الى الموقع وتكون النتيجة خسارة للجميع من جميع النواحى , ما زال الوقت أمامنا , ومازال بالامكان الحفاظ على مصالح وأرواح الجميع , وأتمنى هذه المرة ان تحرك ولو مرة واحدة قبل فوات الأوان .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط