قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

العودة النوبية برؤية أفريقية


مشكلة النوبة أو المعضلة النوبية أو القضية النوبية أو الحقوق النوبية أو كما يحب أن يسميها التنفيذيون فى الحكومات المتعاقبة لحكم مصر بالأولوية النوبية، وعندما يزيدون مجاملة لأهل النوبة يقولون بالأولوية المطلقة لأهل النوبة وفعلا يبدو أنها "مطلقة بالتلاتة" لأنها لم تتحقق حتى الآن، وأظن أنها تريد "محلل" لتعود، وبالطبع المحلل موجود وهو أفريقيا، كيف ذلك؟ تابع معى فى السطور القادمة..

أظن أنه بهذه النظرة الضيقة لهذه المشكلة لم ولن تتحقق لأنها نظرة دون المستوى الحقيقى لها، هى نظرة تآمرية من الطرفين، الأول أهالى النوبة يقولون إنهم على مر العصور أخذوا وعودا ولم يتحقق منها شىء إلا القليل، وما تحقق ليس فى صالحهم، والدولة المتمثلة فى الحكومة ترى أن أهل النوبة يسعون إلى الانفصال بعد تحقيق العودة، وذلك تحقيقًا لخريطة "السايس بيكو" الجديد لتقسيم الشرق الأوسط.

تأملت ومللت من قراءة الخريطة الجديدة لتقسيم الشرق الأوسط لا قدر الله، ووجدت أن بمصر تقسيمات ثلاثة أو أربعة، وما يهمنا هنا هو تقسيم الجنوب، وجدت أن دولة النوبة تمتد من جنوب سوهاج وتأخذ البحر الأحمر والصحراء الغربية حتى آخر جزء فى الولاية الشمالية للسودان جنوب دنقلا.

ما شاء الله من الواضح أن أخانا "سايس بيكو أفندى" كان مزود العيار حبتين وهو بيشخبط فى الخريطة وزود النوبة حبتين ليكون طموحا هلاميا يستحيل تحقيقه على الأرض، لا من خلال النوبيين ولا حتى لو سعت الدولة المصرية بنفسها لتحقيقه، وأسباب استحالته كثيرة، ومن أهمها أن النوبيين يرون أنهم هم الأحق بالشرف المصرى واسم مصر، فهم أصل وفصل مصر وجدودهم الفراعنة هم من حققوا الوحدة والاتحاد للمصريين جميعًا، وهم من كانو دائمًا يقومون بتحرير مصر من المغتصبين وسؤالهم المعهود: "كيف الأصل ينفصل عن الفرع؟".

ولكن هنا أقف وأتأمل الواقع المصرى وأتساءل لأول مرة فى تاريخ الدساتير المصرية أن تقر مصر بأفريقيتها فى دستور 2014 الذى وضع بعد ثورة 30 يونيو، فكيف لمصر أن تعمل لأفريقيتها دون الرابط الاجتماعى والثقافى لها بأفريقيا، وهم النوبيون؟ كيف تقود مصر منظمات ولجانا داخل الاتحاد الأفريقى وهى تتوجس خيفة من العنصر الأفريقى داخلها؟ كيف تكون عضوا فعالا داخل الاتحاد الأفريقى وهى تقطع أواصر الرابط الاجتماعى والثقافى والتاريخى لمساحة 500 كيلو متر وتريد أن تستبدلها بغير هذا الرابط التاريخى والطبيعى؟

علينا جميعًا أن نتأمل الحالة الأفريقية ثم بعد ذلك نقرر هل سنكون أفارقة أم لا، وإن قررنا أن نكون أفارقة فعلينا أن نعمل لها، وأول خطوة إعادة الرابط الطبيعى معهم، وهو عودة أهالى النوبة إلى أراضيهم القديمة.

فى تصريح لوزير الاقتصاد الأوغندى فى مصر، قال: "أنا لست غريبًا عن مصر لأن لى جذورا وأصولا هنا فى جنوب مصر فى النوبة".

وفى تصريح أجمل للزعيم اليوغندى يورى ميسوفينى للإعلامية ريم ماجد، قال: "إننا كلنا فى أوغندا نعلم أن جذورنا من مصر من جنوب مصر فى النوبة، ولكن هل مصر تعلم أنها أفريقية؟".

وفى عام 2011 عند انفصال جنوب السودان عن السودان، كانت من الأسماء المطروحة لتكوين تلك الدولة الوليدة فى ذلك الوقت هى "أرض كوش"، ولكن تم الاكتفاء بذكر كلمة "كوش" فى النشيد الوطنى لدولة جنوب السودان، وبالمناسبة كثير منا يعتقد أن انفصال الجنوب جاء بسبب الطمع الاقتصادى، ولكن الحقيقة أن انفصال الجنوب بدأ بسبب التهميش والحرمان من التنمية والتعليم وفرض أيدلوجية وثقافة أحادية، وكذلك الاستعباد لهم من قبل فئة تعتقد أنها من أصول غير أفريقية.

وكذلك أريدك أن تتأمل كل القوميات الإثيوبية التي تقر أنها قومية كوشية، وكذلك شرق أفريقيا كلها متأكدة تمامًا أن تاريخها وحضارتها هى الحضارة المصرية القديمة، وذلك بفضل النوبيين الذين يمتدون من مصر ويملأون كل ربوع أفريقيا المصرية أو الكوشية أو النوبية، فكل تلك المسميات صحيحة لأنه ليس لأفريقيا تاريخ إلا التاريخ المصرى القديم، وفخر أفريقيا أنها صنعت الحضارة المصرية القديمة مهما حاول المستشرقون إخفاء ملامح التماثيل المصرية الدالة على أفريقيتها أو حاول المستعربون تعريب مصر وتاريخها العريق، فليس من العدل أن نختزل تاريخا يمتد إلى 12 ألف سنة منذ حضارة نبتابلايا إلى 1400 سنة.

لكن هذا العصر ليس عصر العواطف ولا التباهى بالتاريخ أو الأصول الممتدة آلاف السنين، أعتقد أنه عصر الاقتصاد والمصالح، ولذلك لابد من إطلالة سريعة على المصالح المصرية فى عودة النوبيين إلى أراضيهم القديمة، وهنا ستكون نظرة اقتصادية أفريقية بحتة لتنمية قارية مستدامة.

فى آخر قمة أفريقية برواندا، أوصى المجتمعون باقتراحات حول منطقة تجارة حرة أفريقية، ومن هنا جاء هذا الاقتراح والطرح.

هناك عنصر بشرى أفريقى غير مستغل فى مصر فى مكانه بصفته الأفريقية، وهناك منطقة خالية من التنمية تعود لهذا العنصر الأفريقى، وهناك حق لهم بالعودة إلى هذا المكان، حق أصيل وتاريخى بالمواثيق والأعراف الدولية والمحلية وبالوعود الرئاسية للرؤساء المصريين منذ الهجرة الأولى حتى الأخيرة لأهالى النوبة، فلماذا لا نجعل منطقة النوبة عاصمة ثقافة واقتصاد أفريقى ونحولها إلى منطقة تجارة حرة أفريقية وتعتمد عليها كل الدول الأفريقية الحبيسة فى تجارتها والدراسات موجودة والإمكانيات متاحة، فمصر الآن أفضل فى موانئها وطرقها البرية وخدماتها اللوجستية، خاصة بعد قناة السويس الجديدة، ومن هنا لنا الحق أن نطلق مشروع 2020 "أسوان عاصمة الثقافة والاقتصاد الأفريقي"، ومن خلالها نعيد الحق لأصحابه.