أكد رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، أن من حق اللبنانيين استعادة الثقة بالوفاق الوطني وبدولتهم ومؤسساتها، وأن من حق لبنان استعادة الثقة باستقلاله وسيادته وبسط سلطة دولته على كامل أراضيه.
وأوضح الحريري - في البيان الوزاري الذي تلاه أمام مجلس النواب - أن "حق دستورنا علينا أن نعيد تأكيد ثقتنا به، وبوفاقنا الوطني المكرس باتفاق الطائف، وبنظامنا الديموقراطي".
وأكد على أهمية "حل أي مشكلة عبر الحوار، ولا شيء غير الحوار، تحت سقف المؤسسات الدستورية وروح الميثاق، وعدم اللجوء إلى العنف والسلاح والابتعاد عن كل ما هو تحريض طائفي ومذهبي والتصدي لكل فتنة".
وأضاف أن حق اللبنانيين أن تعود ثقتهم بقدرة دولتهم على تقديم الخدمات الأساسية لهم على امتداد الأراضي اللبنانية بطريقة مستدامة ومتوازنة وإدارة شفافة ونزيهة.
وطلب سعد الحريري من مجلس النواب ترجمة الأمل، والتفاؤل بإقرار قانون انتخاب جديد وبنهوض الاقتصاد الوطني بشكل يعيد إليه النمو ويلبي حاجات جميع اللبنانيين ويوفر فرص العمل لهم وللشباب منهم بشكل خاص.
وأشار إلى أنه للوصول إلى هذا الهدف تضع الحكومة في الأشهر القليلة المتاحة لها سلسلة أولويات وعلى رأسها إقرار موازنة 2017 وإقرار التشريعات الجاهزة أمام المجلس، وتقديم مشاريع قوانين من شأنها أن تسهل بيئة العمل الاقتصادي في لبنان وتعزيز دور القطاعات الإنتاجية (الصناعية والزراعية والسياحية) وتنظيمها وتطويرها، والتخطيط للإصلاحات والمشاريع البنيوية والاقتصادية والإنمائية دون إغفال الخطط الحكومية الموضوعة سابقا.
ولفت إلى أن الحكومة ستلتزم بتسريع الإجراءات المتعلقة بدورة التراخيص للتنقيب عن النفط واستخراجه بإصدار المراسيم والقوانين اللازمة التي تؤكد حق لبنان الكامل في مياهه وثروته من النفط والغاز، وبتثبيت حدوده البحرية خصوصا في المنطقة الاقتصادية الخاصة.
وأضاف أن الحكومة تولي أهمية خاصة لقطاع تكنولوجيا المعلوماتية والاتصالات، لما يمتلكه من قدرة على تحفيز للاقتصاد الوطني ولكونه مدخلا أساسيا للاقتصاد الجديد المسمى اقتصاد المعرفة.
وأوضح انه لتحقيق كامل الطاقة الكامنة في الاقتصاد، تلتزم الحكومة ببدء العمل فورا لمعالجة المشاكل المزمنة التي يعاني منها جميع اللبنانيين، بدءا من الكهرباء وصولا إلى المياه، مرورا بأزمات السير ومعالجة الملفات البيئية وأبرزها مشكلة النفايات ومشكلة تلوث مياه نهر الليطاني.
وأشار الحريري إلى أن تحقيق النهوض الاقتصادي لا يكتمل إلا بتحسين وتوسعة شبكة الأمان الاجتماعية وتأمين حق الوصول للتعليم لجميع اللبنانيين. وفي هذا المجال ستولي الحكومة اهتماما خاصا للشرائح الأكثر فقرا، عبر استكمال البرنامج الوطني لمكافحة الفقر وتأمين التمويل اللازم لمكافحة الفقر المدقع على الأخص، وتأمين التعليم النوعي لجميع الأطفال الموجودين على الأراضي اللبنانية.
وأشار إلى تأكيد الحكومة أن الاستقرار الماكرو - اقتصادي كان وسيبقى حجر الزاوية في سياسة لبنان الاقتصادية، بالإضافة إلى المحافظة على الاستقرار النقدي.
ولفت إلى أن الحكومة تتعهد بوضع استراتيجية وطنية عامة لمكافحة الفساد وباتخاذ إجراءات سريعة وفعالة في القطاعات الأكثر عرضة للفساد، مضيفا أن الحكومة ستعمل على ملء الشواغر في الإدارات والمؤسسات العامة بأصحاب الكفاءات، بعد أن تسبب الفراغ فيها بالتسيب وتعطيل أعمال المواطنين، وستعمل ما يلزم لإنهاء ملف المهجرين والتقدم بمشروع قانون لتأمين الاعتمادات المطلوبة له تمهيدا لإلغاء وزارة المهجرين.
وأضاف رئيس الوزراء اللبناني أن الشعب نجح من خلال وحدته الوطنية أن يثبت أنه لا يوجد في لبنان بيئة حاضنة للإرهاب، فكان خير داعم للجيش اللبناني والقوى الأمنية في عملها الاستباقي والردعي في مواجهة الإرهاب بإمكانات متواضعة وتضحيات كبيرة.
وقال إن "الحكومة تتعهد بأن يكون من أولى مهامها تكثيف الجهود والاتصالات لتأمين مستلزمات الأجهزة العسكرية والأمنية عدة وعديدا، لكي تقوم بواجباتها على أكمل وجه في حماية للدولة والشعب والأرض من الحرائق المنتشرة حولنا بعد أن ثبت أن الاستثمار الأمني هو الأنجح في مردوده على اللبنانيين".
وفي هذا المجال تلتزم الحكومة العمل على وضع استراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب على كامل الأراضي اللبنانية، أما الإستراتيجية الدفاعية الوطنية فيتم التوافق عليها بالحوار.
وأوضح أن الحكومة - انطلاقا من احترامها القرارات الدولية - تؤكد حرصها على جلاء الحقيقة وتبيانها في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، وستتابع مسار المحكمة الخاصة بلبنان التي أنشئت مبدئيا لإحقاق الحق والعدالة بعيدا عن أي تسييس أو انتقام، وبما لا ينعكس سلبا على استقرار لبنان ووحدته وسلمه الأهلي.
وفي جريمة اختفاء الإمام موسى الصدر وأخويه في ليبيا، قال رئيس الوزراء اللبناني إن الحكومة ستضاعف جهودها على كل المستويات والصعد وستدعم اللجنة الرسمية للمتابعة بهدف تحريرهم وعودتهم سالمين.
وأضاف أن الحكومة ستقوم بالتعاون مع مجلس النواب بالعمل على إقرار قانون جديد للانتخابات النيابية في أسرع وقت ممكن، على أن يراعي هذا القانون قواعد العيش الواحد والمناصفة ويؤمن صحة التمثيل وفعاليته لشتى فئات الشعب اللبناني وأجياله وذلك في صيغة عصرية تلحظ الإصلاحات الضرورية.
ولفت إلى أن الإدارات الحكومية المعنية ستعمل على تنظيم العملية الانتخابية في موعدها القانوني، بدءا من تأمين سرية الاقتراع إلى حق الاقتراع لغير المقيمين من اللبنانيين، وتسهيل اقتراع ذوي الحاجات الخاصة وغير ذلك من الإجراءات التي تسهل للناخبين مشاركة فعالة في الاقتراع، كما تلتزم الحكومة متابعة إقرار قانون اللامركزية الإدارية بالتعاون مع المجلس النيابي.
وأوضح أن الحكومة تلتزم بما جاء في خطاب القسم لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، من أن لبنان السائر بين الألغام لا يزال بمنأى عن النار المشتعلة حوله في المنطقة بفضل وحدة موقف الشعب اللبناني وتمسكه بسلمه الأهلي، وضرورة ابتعاد لبنان عن الصراعات الخارجية ملتزمين احترام ميثاق جامعة الدول العربية وبشكل خاص المادة الثامنة منه، مع اعتماد سياسة خارجية مستقلة تقوم على مصلحة لبنان العليا واحترام القانون الدولي حفاظا على الوطن ساحة سلام واستقرار وتلاق.
وقال إن الحكومة ستواصل تعزيز العلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة والتأكيد على الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في إطار الاحترام المتبادل للسيادة الوطنية، كما أنها تؤكد احترامها المواثيق والقرارات الدولية كافة والتزامها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 وعلى استمرار الدعم لقوات الأمم المتحدة العاملة في لبنان.
وعن الصراع مع إسرائيل، قال الحريري "إننا لن نألو جهدا في سبيل تحرير ما تبقى من أراض لبنانية محتلة وحماية وطننا من عدو لم يزل يطمع بأرضنا ومياهنا وثرواتنا الطبيعية، وذلك استنادا إلى مسؤولية الدولة ودورها في المحافظة على سيادة لبنان واستقلاله ووحدته وسلامة أبنائه"، مؤكدا واجب الدولة وسعيها لتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر، وذلك بشتى الوسائل المشروعة، مع التأكيد على حق المواطنين اللبنانيين في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي ورد اعتداءاته واسترجاع الأراضي المحتلة.
وأشار إلى أن الحكومة تؤكد التزامها مواصلة العمل مع المجتمع الدولي لمواجهة أعباء النزوح السوري واحترام المواثيق الدولية، موضحا أن الدولة لم تعد تستطع وحدها تحمل هذا العبء الذي أصبح ضاغطا على وضعها الاجتماعي والاقتصادي والبنيوي بعد أن وصل عدد النازحين إلى أكثر من ثلث مجموع سكان لبنان.
وقال إن المجتمع الدولي مطالب أن يتحمل مسؤوليته تجاه التداعيات التي أصابت شرايين الخدمات والبنى التحتية من كهرباء وماء وطرقات ومدارس ومستشفيات وغيرها التي لم تعد تستوعب والوفاء بالتزاماته التي اعلن عنها في المؤتمرات المتلاحقة خصوصا في ما يخص دعم وتطوير هذه البنى.
وأكد أهمية تعزيز الحوار "اللبناني - الفلسطيني" لتجنيب المخيمات ما يحدث فيها من توترات واستخدام للسلاح الذي لا يخدم قضيته وهو ما لا يقبله اللبنانيون شعبا وحكومة.
وأوضح أنه لا يستوي نظام ديموقراطي ما لم يكن المجتمع المدني شريكا في صنع القرار، لذلك فإن الحكومة تتعهد بتعميق روح الشراكة مع المجتمع المدني.
وأشار إلى أنه لا يمكن فصل حقوق المرأة عن التوجهات السياسية والاقتصادية والثقافية للحكومة، مؤكدا التزام الحكومة بالعمل على تعزيز دور المرأة في الحياة العامة بما في ذلك على صعيد التعيينات الإدارية وفي المؤسسات الرسمية، لا سيما في المواقع القيادية انطلاقا من النصوص الدستورية ومضامين الاتفاقات الدولية التي تضم إليها لبنان والتوصيات التي وافق عليها.
وعلى صعيد تعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية، أوضح الرئيس الحريري أن الحكومة ستعمل مع المجلس اللبناني على إدراج كوتا نسائية في قانون الانتخابات المقرر إقراره، كما ستعمل على إنجاز خطة استراتيجية لشؤون المرأة تشمل إطلاق ورشة عمل للقضاء على التمييز ضد المرأة والتقدم بمشاريع قوانين جديدة تحقيقا للعدالة والمساواة وتنفيذا للتعهدات التي التزم بها لبنان.
وأضاف أنه يتعهد أن تقدم الحكومة دوريا تقريرا مختصرا عن أعمالها باستمرار، من أجل مساعدة مجلس النواب على ممارسة صلاحياته في الرقابة والمساءلة ومن أجل استعادة ثقة اللبنانيين بحكومتهم ودولتهم.