القانون الذي عرف باسم (جاستا)، هو القانون الصادر مؤخرا عن الكونجرس الأميركي الـ 114 وأعطي الرقم 222-114 وحمل عنوان The Justice Against Terrorism Act وتشكل الحروف الأولى من عنوانه، الاسم الذي عرف به وهو JASTA.
هذا القانون منح الأمريكيين المتضررين من أحداث الحادي عشر من أيلول2001، حق إقامة الدعاوى القضائية على السعودية رغم ما قد تتمتع به من حصانة دبلوماسية، مطالبين بالتعويض عن الضرر المادي أو المعنوي الذي أصابهم نتيجة تلك الأحداث.
وهذه مطالبات فردية ولا علاقة لها باحتمال قيام الدولة أيضا بمطالبة الحكومة المعنية التي تسبب مواطنوها بالضرر، بالتعويض عما تكون قد تسببت به من ضرر للبلاد.
ولكن المشرع الأمريكي لم يدر أنه بالسماح للأفراد الأمريكيين بإقامة دعاوى مستقلة تطالب دولة ما (السعودية في هذه الحالة) بالتعويض، قد أرسى مبدأ قانونيا مهما ربما يمهد الطريق لشعوب دول أخرى غير الأمريكية، لمطالبة دول ما ومنها، بل في مقدمتها الدولة الأمريكية، بتعويضات عما أصابها أيضا من ضرر مادي ومعنوي، وتسببت به لها دولة ما كما حدث بالنسبة للشعب العراقي الذي تأذى كثيرا نتيجة الغزو الأمريكي غير المبرر عام 2003 للعراق متسببا بأضرار كبيرة للمواطنين العراقيين ولممتلكاتهم، إضافة لما ألحقه من ضرر للدولة العراقية كدولة، وأخذ حيدر العبادي، رئيس وزراء العراق، يطالب مؤخرا الولايات المتحدة بتعويض العراق عنه.
فإذا بات للأمريكيين بموجب قانون جاستا، الحق كمواطنين فرادى، بمقاضاة السعودية مطالبين بالتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت بهم نتيجة أحداث سبتمبر 2001، رغم أن التحقيق الرسمي لم يدن السعودية رسميا، أو يحملها مسؤولية مباشرة عما حدث آنئذ... فان الحال مشابه بالنسبة للعراقيين، اذ لهم قياسا على هذا القانون، الحق بإقامة دعاوى من قبلهم كمواطنين فرادى، على الولايات المتحدة، مطالبين إياها بتعويضهم عن الضرر المادي والمعنوي الذي أصابهم نتيجة تلك الحرب البائسة الغادرة، التي شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا على العراق دون مبرر، خصوصا وقد كشفت التحقيقات اللاحقة عن الخطأ الجسيم الذي ارتكبته الولايات المتحدة واعترف به تقرير السير جون شيلكوت الذي رأس لجنة تحقيق بريطانية، كما اعترف به توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا، واعترف به أيضا في مذكراته جورج بوش الابن، رئيس الولايات المتحدة آنذاك.
فمع وجود السابقة الأمريكية الموجهة ضد المملكة السعودية، والتي باتت تمهد الآن للقياس عليها والاقتداء بها في دول أخرى، (بل يفترض بمجلس الأمن الدولي أن يقننها ويتبناها قريبا بقرار دولي صادر عنه)، بات من المتوقع أن يتقدم بعض العراقيين كأفراد، بمطالبات كهذه، خصوصا إذا أصدر البرلمان العراقي أسوة بالكونجرس الأمريكي، قرارا او قانون جاستا عراقي مشابه للقرار الأمريكي الذي شكل سابقة قانونية مهمة يمكن الاقتداء بها في كل أرجاء العالم، علما بأن هناك اعترافات شبه رسمية، كما ورد سابقا، من قبل السير شلكوت وتوني بلير وبوش الابن بارتكاب خطأ من جانبهم يحملهم المسئولية عما حدث، وذلك خلافا للوضع بالنسبة لقانون جاستا الذي لم تعترف المملكة السعودية بمسؤوليتها عما حدث في عام 2001.
والواقع أن قائمة من يمكنه الاستفادة من هذا القانون، ومن اعتباره سابقة قانونية يمكن القياس عليها، هي قائمة طويلة قد تبدأ بالأرمن الذين تضرروا في بداية تسعينات القرن الماضي من اضطهاد فاحش لحقهم من قبل الأتراك والحكومة العثمانية القائمة آنئذ.
ولكن المشرع الأمريكي لم يدر أنه بالسماح للأفراد الأمريكيين بإقامة دعاوى مستقلة تطالب دولة ما (السعودية في هذه الحالة) بالتعويض، قد أرسى مبدأ قانونيا مهما ربما يمهد الطريق لشعوب دول أخرى غير الأمريكية، لمطالبة دول ما ومنها، بل في مقدمتها الدولة الأمريكية، بتعويضات عما أصابها أيضا من ضرر مادي ومعنوي، وتسببت به لها دولة ما كما حدث بالنسبة للشعب العراقي الذي تأذى كثيرا نتيجة الغزو الأمريكي غير المبرر عام 2003 للعراق متسببا بأضرار كبيرة للمواطنين العراقيين ولممتلكاتهم، إضافة لما ألحقه من ضرر للدولة العراقية كدولة، وأخذ حيدر العبادي، رئيس وزراء العراق، يطالب مؤخرا الولايات المتحدة بتعويض العراق عنه.
فإذا بات للأمريكيين بموجب قانون جاستا، الحق كمواطنين فرادى، بمقاضاة السعودية مطالبين بالتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت بهم نتيجة أحداث سبتمبر 2001، رغم أن التحقيق الرسمي لم يدن السعودية رسميا، أو يحملها مسؤولية مباشرة عما حدث آنئذ... فان الحال مشابه بالنسبة للعراقيين، اذ لهم قياسا على هذا القانون، الحق بإقامة دعاوى من قبلهم كمواطنين فرادى، على الولايات المتحدة، مطالبين إياها بتعويضهم عن الضرر المادي والمعنوي الذي أصابهم نتيجة تلك الحرب البائسة الغادرة، التي شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا على العراق دون مبرر، خصوصا وقد كشفت التحقيقات اللاحقة عن الخطأ الجسيم الذي ارتكبته الولايات المتحدة واعترف به تقرير السير جون شيلكوت الذي رأس لجنة تحقيق بريطانية، كما اعترف به توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا، واعترف به أيضا في مذكراته جورج بوش الابن، رئيس الولايات المتحدة آنذاك.
فمع وجود السابقة الأمريكية الموجهة ضد المملكة السعودية، والتي باتت تمهد الآن للقياس عليها والاقتداء بها في دول أخرى، (بل يفترض بمجلس الأمن الدولي أن يقننها ويتبناها قريبا بقرار دولي صادر عنه)، بات من المتوقع أن يتقدم بعض العراقيين كأفراد، بمطالبات كهذه، خصوصا إذا أصدر البرلمان العراقي أسوة بالكونجرس الأمريكي، قرارا او قانون جاستا عراقي مشابه للقرار الأمريكي الذي شكل سابقة قانونية مهمة يمكن الاقتداء بها في كل أرجاء العالم، علما بأن هناك اعترافات شبه رسمية، كما ورد سابقا، من قبل السير شلكوت وتوني بلير وبوش الابن بارتكاب خطأ من جانبهم يحملهم المسئولية عما حدث، وذلك خلافا للوضع بالنسبة لقانون جاستا الذي لم تعترف المملكة السعودية بمسؤوليتها عما حدث في عام 2001.
والواقع أن قائمة من يمكنه الاستفادة من هذا القانون، ومن اعتباره سابقة قانونية يمكن القياس عليها، هي قائمة طويلة قد تبدأ بالأرمن الذين تضرروا في بداية تسعينات القرن الماضي من اضطهاد فاحش لحقهم من قبل الأتراك والحكومة العثمانية القائمة آنئذ.
وقد تتسع لتشمل من تضرروا بالانقلاب لأميركي الذي نفذه بينوشيه في تشيلي في سبعينيات القرن الماضي وأودى بحياة مئات الألوف من التشيليين، بل أيضا من تضرر من اليوغوسلافيين من قيام الولايات المتحدة بتأجيج عملية تجزئة يوغوسلافيا الى دويلات، وغيرها من العمليات المشابهة سواء كانت الولايات المتحدة المسؤولة عنها أو دول أخرى يمكن مساءلتها عن ضرر ألحقته بالآخرين.
وهنا يأتي دور مساءلة الإسرائيليين عما ألحقوه من ضرر وإيذاء للشعب الفلسطيني الذي جرى اعتداء واضح عليه من قبل الاسرائيليين. فقد اضطر الكثير من الفلسطينيين لمغادرة البلاد في عام 1948، نتيجة الأعمال الإرهابية التي ارتكبتها ضدهم عصابتي شتيرن والآرغون.
وتبع ذلك على امتداد سنوات الاحتلال الصهيوني الطويل، سلسلة من المجازر بحق الفلسطينيين ومنها مذبحة كفر قاسم وغيرها من المذابح، ولعل أبرزها لكن ليس آخرها، مذبحة صبرا وشاتيلا في عام 1982 والتي نفذت بأيدي مقاتلي حزب الكتائب، لكن بتخطيط وتنفيذ تحت إشراف آريال شارون وزير الدفاع الاسرائيلي الذي ادانته محكمة اسرائلية وحملته المسؤولية عما حدث، لكن قادة الأحزاب الصهيونية كافأته لترفعه إلى مرتبة رئيس وزراء اسرائيل.
هذه وغيرها من الأعمال الوحشية التي اقترفت بحق الفلسطينيين من قبل الإسرائيليين، تمنح الفلسطينيين المتضررين ماديا أو معنويا (وفي خضم عجز السلطة الفلسطينية الرسمية عن إقامة دعاوى كهذه في الوقت الحاضر) إقامة الدعاوى الفردية، الدعاوى الشخصية، أمام المحاكم داخل إسرائيل أو خارجها، مطالبين بالتعويض عن الضرر الذي لحق بهم (دون أن يكون في ذلك تنازلا عن حقهم في العودة الى بلادهم ان كانوا ممن يقيمون الآن خارج الأراضي الفلسطينية)... وذلك قياسا على وجود هذه السابقة القانونية التي أرستها الآن الحكومة الأميركية باقرارها قانون جاستا.
ولكن قانون جاستا، لم يكن هو القرار الأمريكي الوحيد الذي أرسى سابقة خطيرة لابد من النظر اليها جديا وبدراسة معمقة.
وهنا يأتي دور مساءلة الإسرائيليين عما ألحقوه من ضرر وإيذاء للشعب الفلسطيني الذي جرى اعتداء واضح عليه من قبل الاسرائيليين. فقد اضطر الكثير من الفلسطينيين لمغادرة البلاد في عام 1948، نتيجة الأعمال الإرهابية التي ارتكبتها ضدهم عصابتي شتيرن والآرغون.
وتبع ذلك على امتداد سنوات الاحتلال الصهيوني الطويل، سلسلة من المجازر بحق الفلسطينيين ومنها مذبحة كفر قاسم وغيرها من المذابح، ولعل أبرزها لكن ليس آخرها، مذبحة صبرا وشاتيلا في عام 1982 والتي نفذت بأيدي مقاتلي حزب الكتائب، لكن بتخطيط وتنفيذ تحت إشراف آريال شارون وزير الدفاع الاسرائيلي الذي ادانته محكمة اسرائلية وحملته المسؤولية عما حدث، لكن قادة الأحزاب الصهيونية كافأته لترفعه إلى مرتبة رئيس وزراء اسرائيل.
هذه وغيرها من الأعمال الوحشية التي اقترفت بحق الفلسطينيين من قبل الإسرائيليين، تمنح الفلسطينيين المتضررين ماديا أو معنويا (وفي خضم عجز السلطة الفلسطينية الرسمية عن إقامة دعاوى كهذه في الوقت الحاضر) إقامة الدعاوى الفردية، الدعاوى الشخصية، أمام المحاكم داخل إسرائيل أو خارجها، مطالبين بالتعويض عن الضرر الذي لحق بهم (دون أن يكون في ذلك تنازلا عن حقهم في العودة الى بلادهم ان كانوا ممن يقيمون الآن خارج الأراضي الفلسطينية)... وذلك قياسا على وجود هذه السابقة القانونية التي أرستها الآن الحكومة الأميركية باقرارها قانون جاستا.
ولكن قانون جاستا، لم يكن هو القرار الأمريكي الوحيد الذي أرسى سابقة خطيرة لابد من النظر اليها جديا وبدراسة معمقة.
فعندما قرر الرئيس بوتين استرداد شبه جزيرة القرم الروسية أصلا، الى حظيرة الدولة الروسية، انتفضت الولايات المتحدة رافضة هذا الإجراء، معتبرة اياه اعتداء على الآخرين وعلى ممتلكاتهم، متناسية أنها باركت قبل 68 عاما، اعتداء الصهاينة على الأراضي الفلسطينية، والاستيلاء عليها بذريعة أنها ممتلكات سابقة لهم... ممتلكات لهم منذ ثلاثين قرنا من الزمان كما يدعون.
فاستعادة روسيا الاتحادية لشبه جزبرة القرم التي كانت اصلا ولقرابة ستين عاما تقريبا مضت، جزءا لا يتجزأ من الجمهورية الروسية، لكن خروشوف الأوكراني الأصل، الأمين العام للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي آنذاك، قرر ضمها لجمهورية أوكرانيا التي كانت أيضا عضوا في الاتحاد السوفياتي، تماما كما كانت روسيا أيضا (صاحبة شبه جزيرة القرم) عضوا في الاتحاد السوفيتي، ما جعل الانتقال يتم عمليا داخل عضوين في دولة واحدة متحدة. لكن عندما تفكك ذاك الاتحاد، بات طبيعيا أن تطالب روسيا باسترداد أرضها تلك، ولكن لتلقى خطوتها تلك اعتراضا دوليا، وخصوصا أمريكا، رغم أن الولايات المتحدة هي التي بادرت مع بريطانيا ودول أخرى في عام 1948، للاعتراف بدولة اسرائيل التي أقيمت على ما سمي بأراض كانت لليهود...منذ متى... منذ ثلاثين قرنا، وليس قبل ستين أو خمسة وستين عاما فقط هي الأعوام التي فقدت فيها روسيا هيمنتها على شبه جزيرة القرم نتيجة نقل سيادتها إداريا من جمهورية لأخرى، كلتاهما داخل اتحاد دستوري قائم آنئذ ولم يعد قائما مؤخرا.
أنا لا أعلم كيف لم تدرك الولايات المتحدة أنها باعتراضها ذاك على استعادة روسيا لشبه جزيرة القرم، إنما ترسي مبدأ دوليا قانونيا، يلغي مشروعية كل اعتراف بإسرائيل كدولة منذ عام 1948، لكونه اعترافا بدولة أقيمت على أراضي الغير، نظرا لإلغاء الأساس القانوني الذي استند إليه اليهود في إقامة تلك الدولة، وهو استرداد أراض كانت لهم في الماضي البعيد جدا جدا (ذلك إن كانت لهم حقا في ذاك الماضي البعيد متناسين وجود الكنعانيين العرب في تلك الأراضي).
والأرجح أن المفكرين ورجال القانون في الولايات المتحدة ربما أدركوا حينئذ ولو لوهلة هذه الحقيقة، فحاولوا بالتالي أن يبعدوا الأنظار عنها... عن المطالبة باسترداد اراض ربما كانت في الماضي ملكا للآخرين. ففي رؤية أخرى لهم أكثر تأنيا، لم يعد يستدعي دهشة وعجبا، ذاك الموقف الأميركي الرافض لاستعادة روسيا لشبه جزيرة القرم، لأن فيه على أرض الواقع، دفاعا عن تواجدهم هم على الأرض الأميركية ذاتها التي هي أصلا ليست لهم، بل ملكا للهنود الحمر الذين استئصل الملايين منهم، كي يتمكن الأميركيون الجدد (القادمون من الخارج) من اقامة دولتهم على حساب ضحاياهم من الهنود الحمر. فالاعتراف بحق أصحاب الحق باسترداد ما كان لهم، إنما يقوض أسس بناء الدولة الأميركية ذاتها التي أقيمت على ممتلكات الآخرين. فالولايات المتحدة ترفضه إذا تعلق الأمر باستعادة الروس لشبه جزيرة القرم، أو بمطالب بعض الهنود الحمر لاستعادة الهيمنة على بعض الأراضي المنتزعة منهم، لكنها تباركه وتتبناه عندما يتعلق الأمر بمطالبة اليهود بأراض فلسطينية ادعوا أنهم أقاموا عليها قبل ثلاثة آلاف عام.
ومع ذلك فإني مندهش ومتسائل: كيف لم يلتفت الكتاب والمحللون السياسيون والمفكرون العرب ورجال القانون من فلسطين والدول العربية.... إلى هذه النقطة الجوهرية، ويركزون عليها كأساس قانوني لبطلان وجود دولة اسرائيل على أراض ليست لهم ولا حق لهم في استردادها.
فاستعادة روسيا الاتحادية لشبه جزبرة القرم التي كانت اصلا ولقرابة ستين عاما تقريبا مضت، جزءا لا يتجزأ من الجمهورية الروسية، لكن خروشوف الأوكراني الأصل، الأمين العام للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي آنذاك، قرر ضمها لجمهورية أوكرانيا التي كانت أيضا عضوا في الاتحاد السوفياتي، تماما كما كانت روسيا أيضا (صاحبة شبه جزيرة القرم) عضوا في الاتحاد السوفيتي، ما جعل الانتقال يتم عمليا داخل عضوين في دولة واحدة متحدة. لكن عندما تفكك ذاك الاتحاد، بات طبيعيا أن تطالب روسيا باسترداد أرضها تلك، ولكن لتلقى خطوتها تلك اعتراضا دوليا، وخصوصا أمريكا، رغم أن الولايات المتحدة هي التي بادرت مع بريطانيا ودول أخرى في عام 1948، للاعتراف بدولة اسرائيل التي أقيمت على ما سمي بأراض كانت لليهود...منذ متى... منذ ثلاثين قرنا، وليس قبل ستين أو خمسة وستين عاما فقط هي الأعوام التي فقدت فيها روسيا هيمنتها على شبه جزيرة القرم نتيجة نقل سيادتها إداريا من جمهورية لأخرى، كلتاهما داخل اتحاد دستوري قائم آنئذ ولم يعد قائما مؤخرا.
أنا لا أعلم كيف لم تدرك الولايات المتحدة أنها باعتراضها ذاك على استعادة روسيا لشبه جزيرة القرم، إنما ترسي مبدأ دوليا قانونيا، يلغي مشروعية كل اعتراف بإسرائيل كدولة منذ عام 1948، لكونه اعترافا بدولة أقيمت على أراضي الغير، نظرا لإلغاء الأساس القانوني الذي استند إليه اليهود في إقامة تلك الدولة، وهو استرداد أراض كانت لهم في الماضي البعيد جدا جدا (ذلك إن كانت لهم حقا في ذاك الماضي البعيد متناسين وجود الكنعانيين العرب في تلك الأراضي).
والأرجح أن المفكرين ورجال القانون في الولايات المتحدة ربما أدركوا حينئذ ولو لوهلة هذه الحقيقة، فحاولوا بالتالي أن يبعدوا الأنظار عنها... عن المطالبة باسترداد اراض ربما كانت في الماضي ملكا للآخرين. ففي رؤية أخرى لهم أكثر تأنيا، لم يعد يستدعي دهشة وعجبا، ذاك الموقف الأميركي الرافض لاستعادة روسيا لشبه جزيرة القرم، لأن فيه على أرض الواقع، دفاعا عن تواجدهم هم على الأرض الأميركية ذاتها التي هي أصلا ليست لهم، بل ملكا للهنود الحمر الذين استئصل الملايين منهم، كي يتمكن الأميركيون الجدد (القادمون من الخارج) من اقامة دولتهم على حساب ضحاياهم من الهنود الحمر. فالاعتراف بحق أصحاب الحق باسترداد ما كان لهم، إنما يقوض أسس بناء الدولة الأميركية ذاتها التي أقيمت على ممتلكات الآخرين. فالولايات المتحدة ترفضه إذا تعلق الأمر باستعادة الروس لشبه جزيرة القرم، أو بمطالب بعض الهنود الحمر لاستعادة الهيمنة على بعض الأراضي المنتزعة منهم، لكنها تباركه وتتبناه عندما يتعلق الأمر بمطالبة اليهود بأراض فلسطينية ادعوا أنهم أقاموا عليها قبل ثلاثة آلاف عام.
ومع ذلك فإني مندهش ومتسائل: كيف لم يلتفت الكتاب والمحللون السياسيون والمفكرون العرب ورجال القانون من فلسطين والدول العربية.... إلى هذه النقطة الجوهرية، ويركزون عليها كأساس قانوني لبطلان وجود دولة اسرائيل على أراض ليست لهم ولا حق لهم في استردادها.
فقد كان يفترض برجال القانون والمفكرين العرب، أن يقيموا الدولة ويقعدوها لدى رفض الولايات المتحدة الاعتراف بحق روسيا في استرداد شبه جزيرة القرم، مذكرين، قياسا على ذلك، بعدم وجود أي حق لليهود باسترداد ما اعتبروه كان أرضا لهم قبل ثلاثة آلاف عام.
لكنهم لم يفعلوا شيئا في هذا الشأن، بل ولم يتجاوب أحد مع مقال واضح لي في هذا الشأن، موضحا ظهور هذه السابقة القانونية وأهميتها، وكنت قد نشرت المقال بتاريخ 15 آذار 2014 على موقع الحوار المتمدن وحمل رقم 4394 ، وعلى تويتر أيضا، وعلى غوغول ومواقع كثيرة أخرى.
إلا أن أحدا لم يقرأ ولم يسمع للأسف، وقد لا يقرأون الآن أيضا هذا المقال ولا يسمعون. فلقد أسمعت لو ناديت حيا... لكن لا حياة لمن تنادي.