قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

فاطمة حنفي تكتب: إمبراطورية الأميين


لقد تعلمنا من التاريخ أنه إذا أردت أن تنشأ أجيالاً جديدة لا ترتبط يحاضرها قبل ماضيها اقطع صلتها باللغة، وكم من أمم كافحت بكل قواها للحفاظ علي لغتها الأصلية حتى ولو كانت صعبة فظة وغير متداولة، والمثال الصارخ علي ذلك ألمانيا واللغة الألمانية نفسها.
لقد انتابني الذهول والتعجب والحيرة من طريقة تعامل أولياء أمور الطلاب مع دروس اللغة العربية كعرض من العروض المجانية للحكومة النمساوية لكل اللغات الأم ومنها اللغة العربية.

عندما قرر الاتحاد الأوروبي تدريس اللغات الأم في المدارس الأوروبية، كان ومازال الغرض الأول هو تسهيل الإدماج علي كل الأجانب في كل المجتمعات الأوروبية لأنهم كانوا أمام معضلتين: إما أن يتعلم الآباء والأمهات لغات الدول الأجنبية التي يعيشون بها، ويكونوا هم المعبر لأولادهم للتربية الأوروبية والفهم والتواصل مع المدارس، ولم تنجح هذه الجهود لحل هذه المعضلة لأسباب كثيرة وعلي رأسها كبر سن المتعلمين.

فكانت المعضلة الثانية، وهي تعلم الأبناء لغتهم الأصلية لغة الأم ويكونون هم المعبر لأنفسهم ولآبائهم ولبلدانهم الجديدة من خلال دمج الثقافتين من تعلم اللغتين ولكن هنا تكون اللغة الأم كما لو كانت هي اللغة الثانية بالنسبة للطلاب.

الصدمة الكبرى التي لمسها المعلمون والمراقبون هي عدم مبالاة الغالبية من العرب لتعليم أبنائهم اللغة العربية، وحتى إذا سجلوا أبنائهم لحضور الدروس المجانية بمدارس الاتحاد الأوروبي فلا يوجد أدني اهتمام بالنظام والتعلم كما في اللغات الأخرى.
فاللغة العربية هي الأقل عددا في نسب تسجيل الطلاب والحضور بالمقارنة بكل اللغات الأخرى مثل التركية، البوسنية، الصربية والألبانية.....الخ.

وعلي الجانب الآخر توجد تجربة لابد أن ينظر إليها بعين التأمل والتعلم وهي اللغة العبرية، ومراحل إنشائها من العدم، ونتذكر عبارة قالها مفكر لهم في نهاية القرن الـ 19 علي مشارف إعلان دولتهم المزعومة "لا حياة لأمة دون لغة!" فتحولت العبرية خلال خمسين عام من لغة "دينية ميتة" إلي لغة تدرس من الحضانات حتى الدكتوراه في "علوم الفضاء" فكانت اللغة ونجت من الموات وتجسدت قوميتهم.

فقبل قيام دولة إسرائيل كان يهود الدياسبورا (الشتات) يتكلم كل جماعة منهم بلغة الدولة التي يعيش بها ويعتبرها لغته حتى قام المفكرون اليهود وأدركوا أنه ما من حضارة بدون لغة، ولكي يحيون حضارتهم لا بد من إحياء لغتهم أولا.
وبدأت الجماعات اليهودية في نشر اللغة العبرية وسط اليهود، والآن بعد نجاحهم في تكوين دولتهم فالجامعات في إسرائيل لغتها الأولى هي العبرية حتى في الأقسام التخصصية الدقيقة مثل" الطب".

علي الرغم أن اللغة العربية تمثل أطول الآداب العالمية عمراً علي الإطلاق، فهي اللغة التي يستطيع أبناؤها قراءة خمسة عشر قرنا من الإبداع والمعرفة، في حين أن تاريخ اللغات الأخرى لا يزيد علي خمسة قرون علي الأكثر!

ولكن للأسف الموضوع أخطر مما نتصور جميعنا؛ فاللغة هي أساس أي تكوين حضاري. وقوة اللغة من قوة الحضارة التي تمتلك تلك اللغة، وقبل عام 1920 كان هناك أكثر من 75 لغة تكتب حروفها باللغة العربية، ثم أتى الاستعمار الذي يأتي معه مراكز للدراسات، تبحث في كيفية إعلاء حضارتها على حضارة مستعمراتها، لكي تهيمن وتسيطر عليها بشتى الطرق الممكنة.
تلك المراكز البحثية وجدت أن الطريقة الأقوى لفرض هيمنتها على العالم هو بفرض لغتها.

تسعى أوروبا الموحدة بلغاتها المتعددة إلي إحياء كل بلد للغته الأصلية، من أجل بناء قوميتها المتعددة مع جهودها الجبارة لتدعيم اتحاد أوروبي حقيقي فاعل.

فلا يوجد أي خلاف أو شقاق في الفكرة ومضمونها وتطبيقها: اتحاد أوروبي يقوم علي احترام القوميات وخاصة الثقافية فلن تمحو دولة لغتها "ثقافتها" من أجل عيون لغة "ثقافة" الاتحاد حتى ولو كان للاتحاد لغة.

وتجاهد الحركة "الفرانكفونية" من أجل بقاء نفوذ الثقافة الفرنسية في العالم بعد انحلال إمبراطوريتها السياسية من خلال اللغة والثقافة كعنصر أساسي للامتداد الفرنسي حول العالم.

ونفرط ولا نبالي نحن بلغتنا القومية التي هي أيضا لغتنا "الدينية والعرقية"، وندير ظهورنا إلي تراثنا وثقافتنا ومفرداتها الشرقية العربية ونتطلع إلي الثقافات الغربية.

إن عدم الاكتراث باللغة العربية للأبناء (الأجيال الجديدة) وعدم إتقان اللغات الأجنبية للآباء يخلق في النهاية وبشكل مختلف جيل جديد من الأميين.

ويكون للعرب في الشرق وفي الغرب حالة من الانهيار اللغوي الثقافي الحضاري، ماذا ستفعل تلك الأجيال وأي طريق صعب وشاق ومظلم نلقي بهم فيه، أجيال من الآباء لا يتقنون اللغات الأجنبية وبالتالي لا يفهمون ثقافتهم أو كيفية الاندماج معها.

وأجيال من الأبناء لا يتقنون اللغة العربية وبالتالي لا يفهمون ثقافتنا أو كيفية الانتماء لها والاحتماء بها والذود عنها، ويكون هناك وبشكل استثنائي دائما "عربيا" أوروبيا التبادل الأمي عوضا عن التبادل الثقافي الذي يخلق عوضا عن إمبراطورية العلم والنهضة التي يرنو إليها العرب كل العرب وأبنائهم يخلق وبكل خطي وثابة "إمبراطورية من الأميين"!.