القطار.. بين الرعب والشماتة

آخر ما يخطر على بالك وأنت تركب القطار فى ألمانيا أن يتوقف بك فى الطريق، وتصل دهشتك إلى ذروتها عندما يأتيك صوت مذيعة داخلية معلناً أن هناك من يعترضون طريق القطار، وهو ما يعنى الانتظار لبعض الوقت حتى تنتهى مفاوضات إقناعهم بمغادرة القضبان.
أصيبت زوجتى بالرعب، وهى تستحضر صور البلطجة وقطع الطرق واحتجاز السائحين التى تابعت أخبارها عن بُعد، ووجدتْ نفسها لأول مرة جزءاً منها.. تماسكتْ أو تظاهرتْ بذلك، أو لعلها اطمأنت بالفعل عندما لاحظت عدم اضطراب الركاب الآخرين.. ظللنا معهم نتابع الأخبار الصوتية التى تصلنا مجدِّدة الاعتذار عن التأخير، حتى أُعلن عن استئناف السير بعد حوالى ثلاثة أرباع الساعة.
فجأة تحول رعب زوجتى إلى شماتة، وكأنى أنا صاحب القطار أو على أقل تقدير «الكمسارى»: أرأيت؟ أين المواعيد الدقيقة، والراحة المتناهية، وهدوء الأعصاب؟ وهى - كما هو واضح - الأسباب التى ظللت أكررها وأنا أتحدث عن أهمية القطار وتميزه الشديد كوسيلة مواصلات.
بالنسبة لها كانت التجربة كفيلة بتغيير انطباعها عن القطار، أما أنا - وقد ركبت القطار كثيراً - فما كان هذا التعطيل إلا حادثاَ عابراً قد لا يتكرر معى أبداً.
بالسيارة يحتاج المسافر من القاهرة للمنصورة إلى ثلاث ساعات، فى حين تحتاج المسافة نفسها فى القطارات الحديثة إلى نصف ساعة فقط، حيث تصل السرعة إلى ثلاثمائة كيلومتر فى الساعة.. القطار هو الحل لكل أزماتنا المتعلقة بانتقال الأفراد ونقل البضائع.
القطار يسير فوق الأرض وتحتها.. يعبر الجسور، ويمر فى الأنفاق.. يعبر الأنهار، ويخترق الجبال.. لا يعرف ليلاً ولا نهاراً.. لا يتأثر بالشبورة ولا بالعواصف الرملية والأمطار. إنه القطار الذى نضرب به المثل فى دقة المواعيد والانطلاق بقوة واستقامة.. القطار يوفر لنا أوقاتنا المهدرة فى المواصلات، ويفتح آفاقاً جديدة للاستثمار: فى الزراعة والصناعة والسياحة وصيد الأسماك وتعمير الصحراء.
لا بديل عن القطار للخروج من الوادى الضيق، القطار - وفقاً للإحصائيات - هو أكثر وسائل الانتقال أماناً فى غير زمن البلطجة وقطع الطرق طبعاً.. أتمنى أن نشرع فوراً فى تخطيط وتنفيذ شبكة قطارات تغطى مصر كلها، تربط بين مدنها وقراها.. تصل إلى المطارات والموانئ ومحطات المترو الرئيسية، يومها ستختفى العشوائية من حياتنا، ويعود «التوك توك» إلى الأزقة والحارات الضيقة.
نريد أن نتعامل بفكر القطار فى سائر أمورنا.. نريد أن نعمل جميعاً كالقطار: ننظر إلى الأمام، ونرسم الطريق، وننطلق بقوة.
ومهما بلغ إصرار من يحاولون قطع الطريق وتعطيل المسيرة، فعلينا ألا نُستدرج لصراعات لا يزيدها الصدام إلا عمقاً وألماً.
ليكن الصبر عليهم هو سلاحنا فى هذه المرحلة الدقيقة، حتى لا نتعرض للرعب.. ولا للشماتة.
[email protected]
نقلا عن المصري اليوم