- الضابط الإنجليزي حول منزله إلى متحف لمقتنياته بالاتفاق مع الحكومة المصرية
- كرمه الملك فاروق وأعطى له لقب "باشا" تقديرا له
- المتحف متاح للجمهور بـ2 جنيه.. يضم البئر المسحورة ومقتنيات من مختلف العصور
في أحد شوارع السيدة زينب التي تزخر بالآثار الإسلامية، وعند مدخل حارة "عطفة الجامع"، تلمح أحد البيوت التي تخطف أنظارك بجمال وروعة تصميمها، منزلين متجاورين تربطهما قنطرة، نوافذ أرابيسك ومشربيات ترجعك بالزمن إلى عقود مضت.
كنز مندثر بجوار مسجد ابن طولون، حتى وإن كنت أحد المارة العابرين بالمكان، يدفعك فضولك لدخول المكان بيت "الكريتليه"، لوحة رخامية في مدخل البيت كتب عليها "متحف جاير أندرسون".
الضابط الإنجليزي أو كما سماه البعض المستشرق المهووس، عمل طبيبًا في الجيش الإنجليزي وكان من بين الضباط الذين خدموا في وادي النيل، استقر أندرسون بمصر التي عشقها واعتبرها موطنه الثاني، وأصبح لديه هوس بحضارات الشرق الإسلامية عامة، والمصرية خاصة، فلجأ إلى جمع الآثار ومقتنيات تاريخية من بلاد الشرق التي يزورها.
وفي عشرينات القرن الماضي، تم هدم الكثير من مباني القاهرة الإسلامية لسوء حالتها، ومن البيوت القليلة التي نجت من عمليات الهدم، بيت الكريتلية، نسبة لسيدة يونانية من كريت كانت آخر سكان البيت، وفي ذلك الأثناء كانت فترة خدمة أندرسون في مصر وأذن له بالعيش في بيت الكريتليه، وكان يجاوره بيت لـ "آمنة بنت سالمة" ضمه أندرسون لمنزله وبنى بينهما قنطرة لتوصل بين المنزلين.
أدرك الضابط الإنجليزي القيمة التاريخية للمنزلين، ودفعه هوسه إلى ضم مقتنياته التي جمعها خلال سفره حول العالم، ووضعها بمنزله، لم يكتف بذلك فحسب بل تقدم بطلب للحكومة المصرية بضم البيتين وأن يقوم بتأثيثهما بأثاث على الطراز الإسلامي ويعرض فيهما مجموعته الأثرية من مقتنيات أثرية إسلامية وحتى فرعونية وآسيوية، على أن يصبح هذا الأثاث ومجموعته من الآثار ملكًا للشعب المصري بعد وفاته أو حين يغادر مصر نهائيًا فوافقت اللجنة، وبالفعل لم يدخر جهدًا في تنظيم البيتين ولم يبخل بإنفاق المال على شراء الأثاث والمتحف من البيوت الأثرية وغيرها من القطع الفنية التي تنتمي للعصور الإسلامية، منها صناعات عربية، ومن الصين، وفارس، والقوقاز، ومن آسيا الصغرى والشرق الأقصى، وهذا علاوة على بعض التحف من أوروبا، وما إن توفى أندرسون حتى نفذت الوصية وآل البيتان وما فيهما إلى مصلحة الآثار العربية التي جعلت منها متحفًا باسم جاير أندرسون.
أهدى الضابط الإنجليزي كنوزا خالدة للشعب المصري، ليفتح المتحف أبوابه للجمهور، وتتوفر به خدمة المرشد المجاني الذي يصحبك في جولة تفصيلية يشرح فيها تاريخ وأهمية كل قطعة من مقتنيات المنزل، المتحف مفتوح من الساعة 9 صباحًا للساعة 5 مساءً، والدخول للأجانب بـ55 جنيها، و21 جنيها للطلبة الأجانب، أما المصريون فتذكرة دخولهم بـ2 جنيه فقط، وكشكر وتقدير له أُعطى لقب "باشا"، وكرمه الملك فاروق كظابط في الجيش المصري.
تدور الأساطير حول هذا المنزل أنه بني عليه جبل يشكر الذي رست عليه فُلك سيدنا نوح، ويتكون المتحف من مبنيين كل منهما 3 طوابق، حوائط المنزل الأول من حجر الأبلق والحجر الأحمر، تتخللها المقرنصات التي تعطي وسعا للمكان في الفناء، وما إن ترفع عينيك تجد السقف من الخشب المدهب "بلاطيم خشبية"، شبابيك زجاج الجاص الملون، طاولة من الالبستر على حوافها آيات "إنا أرسلنا نوحا إلى قومه".
وبمجرد دخولك للمتحف تأخذك قدميك بجولة بين الغرف، فتجد هنا غرفة الكتاب كنموذج فريد في منزل من العهد العثماني، فكان قبل ذلك الكتاب لا يلحق بالمنزل، ولكن يحضر المقرئون للمنزل لتعليم الأطفال وبعدها القاعة الصيفية والقاعة الشتوية وكان يعقد بهما اجتماعات، وخصص أندرسون غرفة الكتابة على حائطها شهادة تكريم من الملك فاروق للضابط الإنجليزي، والغرفة الفارسية والغرفة الدمشقية التي جمع كل مقتنياتها من دمشق وحتى الأسقف، فضلا عن الغرفة التركية وكل مقتنياتها من تركيا.
وفي نموذج فريد يتواجد السبيل داخل المنزل، حيث كان سابقا مكان السبيل خارج المنزل، أيام الدولة العثمانية، ولكن سبيل بيت الكريتلية مختلف من نوعه، من ماء نهر النيل، وتدور الأساطير حول هذه البئر أن من ينظر إليها يرى انعكاس حبيبه وسماها البعض "البئر المسحورة".
وإحدى الغرف تسحرك بجمالها وروعة مقتنياتها، حيث خصص أندرسون لنفسه غرفة تضم سريرا من خمسة أعمدة على الطراز الشرقي، يجاوره سرير خادمه النوبي وله أقدام من الخشب على شكل قدم الأسد، توحي بحماية وقوة الخادم النوبي في حراسة سيده.
لم يغفل أندرسون عن بلده بريطانيا، فأنشأ حجرة الملكة آن، ملكة إنجلترا، على بابها تمثال إله الحب يرمز لها، وأحضر مقتنيات من بلاده لضمها للمتحف.
وأثناء جولتك بالمتحف تعطف على حرملك بيت الكريتلية، بدواليب مدهبة، ومشربية من الأرابيسك، ومشربية تطل على فناء المنزل.
الحرملك يضم غرفة سرية للسيدات ليشاهدن الاحتفالات بقاعة الاحتفالات الكبري التي تضم "كراسي التختبوش"، وبجانبها غرفة المغنى، تجاورها غرفة الولادة وبها كراسي خصصت للسيدات أثناء الولادة، فضلا عن التمائم والرموز السحرية لمنع الحسد.
يسحرك المتحف ويأخذك في جولة بين غرفه بطوابقه المتعددة ومقتنياته التي ترجع لعصور فرعونية وعقود متتالية، آثار قبطية وإسلامية، أحضر جزءا من كسوة الكعبة وآثارا مصرية وشرقية يزخر بها المتحف على الرغم من انطوائه وجهل العديد من المصريين بأهميته التاريخية.
 جمال المتحف جذب له كثيرا من صناع السينما، مثل فيلم "شَهد الملكة" بطولة نادية الجندي وفريد شوقي وتأليف نجيب محفوظ، والتوت والنبوت"،
وأخيرا فيلم "جواب اعتقال".
 
         
         
         
         
         
                         
                         
                     
                                             
                                         
                     
                     
                     
                     
                     
                     
                     
                     
                         
                         
                         
                                 
                                 
                                 
                                 
                             
                     
                     
                     
                    