أكد الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، أن نعمة المياه قد تتحول إلى نقمة، لأن الله سبحانه وتعالى ينزلها بقدر أي بحساب، موضحًا: فإن قل الماء قد يهلك الإنسان من العطش والجوع، وإن زاد الماء قد يغرق الإنسان ويهلك الحرث والنسل.
وشدد الوزير خلال خطبة الجمعة التي ألقاها في افتتاح مسجد شهداء روضة بئر العبد بمدينة أسوان الجديدة، على ضرورة الحفاظ على نعمة المياه وعدم الإسراف حتى في الوضوء، ولو الإنسان على نهر جار.
وأشار الوزير إلى أن الماء عصب الحياة وقوامها، يقول الحق سبحانه: «وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ *أَفَلَا يُؤْمِنُونَ»، وهو نعمة ورزق، حيث يقول سبحانه: «أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ»، ويقول سبحانه وتعالى: «وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ»، ويقول سبحانه: «وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ»، ويقول تعالى: «هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ» ويقول سبحانه: « قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاءٍ مَّعِينٍ»، ويقول -عز وجل- وتعالى ممتنًا على السيدة مريم عليها السلام: «فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا» .
ونبه على أنه لا شك أن هذه النعمة تستحق الشكر، ولا يكون ذلك كلامًا فحسب، إنما يكون بالحفاظ على النعمة، وحسن استخدامها، بعدم الإسراف الذي نهينا عنه جملة وتفصيلًا، سواء في شأن الماء أم في غيره، حيث يقول الحق سبحانه: «يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ»، وفي خصوص عدم الإسراف في الماء نهانا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإسراف فيه ولو كنا على نهر جار، كما نهانا -صلى الله عليه وسلم- عن كل ما يلوث الماء أو يفسده، حيث يقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالظِّلِّ»، مما يؤكد ضرورة الحفاظ على هذه النعمة وحسن استخدامها، وترشيد هذا الاستخدام وتعظيمه على الوجه الأمثل».
وتابع: أن الشعب المصري عُرِفَ منذ نشأته بأن عقيدته تقوم على احترام نعمة مياه نهر النيل، وتقوم ثقافة أبنائه منذ القدم على الحرص على نهر النيل وعدم تلويثه، واعتبار تلويثه جريمة من الجرائم الكبرى، وقد كان المصري القديم يكتب من ضمن وصاياه في نهاية حياته أنه لم يفعل كذا وكذا من الجرائم، وأنه لم يلوث ماء النهر، وكأنه يتقرب إلى الله بهذه الفضيلة، وابتعاده عن تلك الجريمة النكراء، جريمة تلويث مياه النهر.
وأكمل: فهذه ثقافة المصريين منذ القدم، وعقيدتهم منذ الأزل في احترام مياه النهر، والحفاظ على المياه، وعدم تلويثها، وهو ما أكدت عليه شريعتنا الغراء.
وأفتى: وبناء على القاعدة العامة أن لوليّ الأمر تقييد المباح وتقنينه للصالح العام، فإن لولي الأمر أن ينظم بالقانون طرق استخدام الماء لهذا الصالح العام، لأن العبرة بمصلحة مجموع أبناء الوطن لا بمصلحة بعضهم على حساب بعض.
وطالب بأنه ينبغي الالتزام بما تصدره الدولة من تعليمات في هذا الشأن العام، ولا يجوز الخروج عليها لا شرعًا ولا قانونًا، مراعاة للمصلحة العامة، وإيثارًا لها على المصلحة الخاصة، ذلك لأن من جار أو تجوز في استخدام المياه فوق الحاجة أو في غير ما خصصت له أو بخلاف ما ينظمه القانون إنما يعتدي على حقوق غيره من أبناء المجتمع، ويقلل من فوائد النفع العام المبني على مراعاة مصلحة المجتمع كله لا بعض أفراده .
ونبه على أنه يجب علينا جميعًا الاقتداء بسنة سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ترشيد استخدام الماء، والعمل على الاستفادة بكل قطرة منه، وعدم تلويثه، أو الاعتداء على مصابه ومصادره ومجارية التي يعد الاعتداء عليها اعتداء على حق المجتمع كله، وتضييعًا لمصلحة معتبرة، وأن المخالفة في ذلك هي مخالفة قانونية وشرعية في آن واحد، لأن القصد من الشرع والقانون معًا في ذلك هو تحقيق مصالح البلاد والعباد .