الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هنيئًا لكم وعقبالي


للعمل في الجهاز الإداري في الدولة فائدة عظيمة، وهي أن لديك عَمَلا ثابتا بمرتب شديد الثبات وأصدقاء لا يقوى أن يُفْرَق بينكم مكان.

فالتلاحم شعار، وُجِدَ بفضل أنه لا مكان لمسمار فعدد البشر حدث ولا حرَج ، ولا تمييز بين جامعي ودبلومِي إلا في مواعيد الحضور والانصراف ، أكثرهم التزامًا ( بالحضور) هو أتقاهم عملًا عند المدير وأعوانه!

وإذا كان هذا حال العمل في أي مكان حكومي فالحال يختلف كليةً في ماسبيرو!

ولا تدع خيالك يجنح في سماوات الأمل أن أسلوب العمل أو إستراتيجيات التفكير هي المختلفة ، حاشا لله ، فتلك الورثَة يحرص عليها أُوْلِو الأمر من المدراءِ والكبراءِ من المسئولين كحرصِ أنفسهم على الحياة .

فهي الأمانة التي سلمها الكاتب المصري القديم الجالس القرفصاء وهو يخُط في دفتره قانون العمل الحكومي في مصر لسنوات وسنوات ، ونحن كأبناء بررة لم نتنازل إلا عن وضع القرفصاء ربما لأن الرُّكَب لا تتحمل ذَلِك، فليسامحنا الأجداد ويكون شفيعنا ما لم نبذله من جهد لنغير ما لم يسنوه من قوانينِ الفراغِ والعبث!

الاختلاف الحقيقي بينَ ماسبيرو وغيره من الجهات الحكومية في القماشة الواسعة لنوعية العاملين فيه، فلأنه جهاز فني في الأساس يتخلله العمل الإداري، فتكوين وطبيعة الأفراد فيه متباينة للغاية، ولِذَلِك فضل عظيم في استبيان ردود الأفعال المختلفة حول الموضوعات المتنوعة، وخاصة عندما تكون تِلْك الموضوعات تمس حياتهم وعاداتهم بشكل شخصي ومباشر.

فلِذلك خلَّفَت توابع القوانين الجديدة الخاصة بإجراء العمرة عاصفة من ردود الفعل الغاضبة، لم تفلح معها المحاولات القليلة على- استحياء- أن تهدئ من روعها أو تمتص غضبها أو توضح الفوائد المنتظرة من ذلك القرار.

وهنا يجب أن أبدأ قولي كشاهد عيان علي ما رصدته من سلوك العمرة على مدى السنوات السابقة بِحُكْم وجودي كخيط في نسيج تلك القماشة التي يتكون منها المبنى.

رحلة العمرة لدى البعض هي أسلوب حياة ولو على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية، فبدءا من الرحلات التي يستعد قبلها المعتمر بتحضير الناشِف والمقدِد لتوفير نفقات الطعام وتقليص تكاليف الرحلة، وحتى المعتمر ( الزبون) في رحلات رجال الأعمال السوبر لوكس والتي يتعدى تصنيفها النجوم السبعة.

كله مشتاق ومضحٍ هذا براحته وذاك بمالِه..

ومع الارتفاع الشديد في الأسعار عامة وفِي تكاليف السفر خاصةً لم يثنِ ذلك من عَزْم أولي العزم، فالميسور تراجع بنجومه للوراء خطوتين واستبدل رحلة الطيران من جدة للمدينة بالليموزين الفاخر، أما المعسور فباعد بين رحلاته وكبَّر من جمعياته حتى يستطيع توفير المبلغ المطلوب بشق الأنفس والقلوب، وَلَكِن في سَبِيل رب تِلْك القلوب كله يهون.

وتصاعدت الإجراءات وتعقدت الحجوزات ولَم يثبط ذَلِك من النوايا الطيبة ، فعبق الحجر الأسود في الأنوف، وبرودة رخام الأرض على الكفوف، يجلبان الراحة التي لا تُقدر بالألوف.

لَكِن المشهد الأخير كان خارج حدود التعبير ، فإضافة أعباء جديدة علي المُعتمِر تصُب في صَالِح خزانة الدولة تحت أي مسمى هو أمر تحسبونه هينًا وهو عند المُلتاع لسجدة في مقام إبراهيم عظيم!

فتلك الأعباء وكأنها عقاب رادِع لكل من تسول له نفسه ويحرضه شوقه على زيارة الحرمين، وخاصةً ممن ضاقت يداه ذلك الذي يدخِر من قوت بطنه ليلبي قوت قلبه.

فهناك مستوى اجتماعي سيتأثر مزاجيًا من دفع المزيد من الأموال لكن في النهاية أي فروق مالية لن تمثِّل مشكلة، أما الطبقة المطحونة وفي الهم معجونة ، فهي التي تئن وتنتظِر أعجوبة لتحقيق الزيارة المطلوبة.

روح القانون قادرة على إشاعة العدالة أكثر من القانون نفسه، وبغض النظر عن حسابات المكسب والخسارة المرهونة بتنفيذ قرارات فرض رسوم إضافية على رحلات العمرة يجب أن يضع صانِع القرار الاعتبارات المعنوية لقطاع كبير من مواطنين أنهكتهم الظروف الاقتصادية، وتحملوا تبعاتها بشجاعة وصَبْر ويقين معطر بالثقة في رؤية القيادة السياسية، فرجاءً لا تخذلوهم ربما دعواتهم البسيطة الصادقة هي الوتد في ظهر الوطن، وسعيهم الدؤوب طوال العام في الدروب لتحقيق حُلم السعي بين الصفا والمروة سبب لفك الكروب.

وأتوسل إلى كل متحذلق يطُل علينا بعد رجوعه من رحلاته المكوكية لأوروبا، أو لازالت آثار شمس البحر الأحمر تُضرِم وجهُه بحمرة فاتنة، أن يكف عن الدفاع عن هذا القرار بمبدأ أن توجيه المشاعِر الإيمانية لخدمة المعوزين في الوطن أفضل من أداء الشعائر خارجه! ومن نفس ذات المنطِق الذي يخلو من المنطِق ، أناشدكم بالتزام دياركم واللي يعوزه البيت يحرم على أوروبا وشَرم!

القرارات البسيطة بإمكانها أن تجعل المواطِن أكثر ألمًا أو تحملًا للإصلاحات العميقة، فرجاء من أولي الأمر مراجعة وتدقيق هذا الأمر ، وأقول قولي هذا وليس لي فيه مآرب أخرى، فلم أنل شرف عمرة العام الماضي ولَم أخطط لعمرة العام الجاري ، وإن كان لسان حالي يقول لكل مُعتمِر "هنيئًا لك وعقبالي".
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط