بداية لابد أن نتفق أن نقول ونعيد على أسماع بعضنا البعض و على أسماع أبنائنا و طلابنا أن حضارتنا تسمي مصر القديمة .
" فقل مصر القديمة و لا تقل مصر الفرعونية "
فليس هناك من دليل علي أن كلمة (فرعون) كانت لقب لكل ملوك مصر، و لم تذكر فى البرديات و علي الجداريات فى المعابد بنفس الخصائص التى تختص بها الأسماء الملكية، فلم يتم تدوينها مثلا داخل خرطوش ملكى، و لم يتم تدوينها قبل اسم الملك لنعتبرها لقب .
و لكنها ذكرت بالقرآن الكريم !
نعم أكاد أسمع تلك الإجابة و أنا أكتب الآن، و لكن إسأل السؤال الصحيح كيف تم ذكرها فى القرآن ؟ و الإجابة أنها ذكرت كإسم شخص يسمى فرعون و هو فرعون موسي، و الأرجح أنه الملك صاحب قصة سيدنا موسى (عليه السلام) و كان يسمي فرعون، أى أن ليس كل ملك مصرى هو ذلك الفرعون بما يحمله وجداننا له من سمات شخصية مرفوضة .
و فى ذلك الموضوع الهام بحوث متخصصة إن أردت أن تقرأ المزيد .
نأتى لسؤال مقالنا اليوم : كيف كان الفن و كيف تعامل معه المصرى القديم؟ والإجابة المنطقية هى : أنظر حولك، عليك بزيارة المعابد لتشاهد الألوان و دقة الرسوم و روعة التماثيل .
و لكننى لم أعنى هذا بحديثى عن الفن، إنما أعنى أيهما سبق الآخر هل الفنون شكلت وجدان المصريين، أم المصرى و وجدانه هما الذان أنتجا هذه الفنون؟ أميل لكون المصرى هو من أنتج الفن وأن الفنون اقترنت بالحضارة المصرية منذ نشأتها، سأقول لك حجتى علي ذلك: أولا الفن بهذه الروعة و الدقة ليس مجرد فطرة، لأن كل منا و إن ولد لديه الفطره فإنه ينميها أو يخسرها تبعا لمجهوده، و تهذيبه لنفسيته و روحه، و إرادته فى الصبرعلي التعلم، ومعايشة التجربة الفنية .
لدينا من الأدلة الكثير علي أن المصرى القديم كان معنيا جدا بتهذيب نفسه و محاسبتها مما ينتج عنه أن يصبح شخصا متأملا، كما كان يقدس العمل أى ليس لديه وقتا يضيع فيما لا ينفع مما ينتج عنه أيضا شخصا يميل إلي الإنصات، (التأمل و الإنصات) ينتجان روحًا أوعقلاُ يتذوق الفن و يتأمله، و إن إمتلك أدواته فإنه يصبح فنانا .
ثانيا: المصرى لم يجد المعابد مشيدة و لا الجدران منقوشة ليتعلم منها، وإنما هو من صنع الحياة، من جعل من الأرض لون طمى النيل مع خضرة الزرع، من أعطى لكل تفصيلة فى حياتة جلالها و قيمتها حتي الموت و القبور و طقوس الدفن، من أعطي المرح و السمر أهمية الطقس الدينى الذى توصل إليه هو عن طريق تأملاته فى الطبيعة .
هو من ابتكر فن الغناء، التعبير الحركى ( الرقص )، الرسم و التصوير، و الرقص الأكروباتى .
و لكنه فى نفس الوقت كان شخصية جادة، مع بداية عصر الأسرات شيد الأهرامات(الأثر الوحيد الممتد من عجائب الدنيا السبع القديمة إلى الحديثة) حتى أن عصر الأسرات الأولى يسمي ( بناة الأهرام ) لكثرة عددها، و مع هذه الجدية فى البناء و تعامله مع الحجربكل قسوته إلا أنه عرف الموسيقي و الغناء أيضا فقد عثر علي آلات بدائية للنفخ مصنوعة من أجسام القواقع الحلزونية ترجع إلي عصر ما قبل الأسرات، كما تم العثور علي نماذج من آلة الناى و يعتبر أقدم أثر لآلة الناى ذلك التصوير الموجود علي (صلاية صيد الحيوانات) ( الصلاية هى أداة تستخدم فى الحياة اليومية لطحن مثلا كحل العين أو أى شيء و ينقش عليها من الخارج وغالبا كانت تصنع من حجر مثل الشست) و تصور تلك الصلاية مجموعات الحيوانات المفترسة و الصيادين و لكن فى القسم الأسفل يقف شخص بقناع حيوان غالبا ليخدع الفريسة و فى يده آلة ناى طويلة يعزف عليها لجذب الحيوانات .
إذن فإن المصرى عرف النغمات و إستخدمها فى إحتياجاته البيئية منذ البداية، و عرف فن الرسم و التصوير و استخدمه فى التدوين قبل أن يعرف الكتابة .