قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

مفاعل أنشاص النووى.. مقبرة للنفايات المشعة.. مصنع علاج السرطان والغدة الدرقية.. يتولى إدارته مصريون خبراء بالوكالة الدولية للطاقة الذرية

محررة صدى البلد دخل  مفاعل انشاص
محررة صدى البلد دخل مفاعل انشاص

على بعد 60 كيلومترا من القاهرة، يقع مفاعل أنشاص النووي الثانى المخصص للأغراض البحثية، والمقام على مساحة 1400 فدان في منطقة أنشاص الرمل بمحافظة الشرقية.

خلال رحلتنا للتعرف على المفاعل عن قرب، تحركنا من أمام وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة، فى العاشرة صباحا لنصل فى الحادية عشرة إلى مقر هيئة الطاقة الذرية بمنطقة أنشاص الرمل، وما إن وصلنا إلى مقر الهيئة حتى بدأ يتصاعد الشعور بأهمية المكان لدينا.. بوابات ورجال أمن، أسلاك شائكة وأبراج مراقبة كأننا في ثكنة عسكرية شديدة الخصوصية.

ما إن دخلنا البوابة الأولى حتى صعد أحد رجال الأمن إلى السيارة مرحبا، ثم أخذ يتأكد من الحضور ويسلم كل منا تصريح الدخول، الذى حرصنا على ارتدائه خلال الجولة.

دخلنا من البوابة الثانية وصعدنا إلى الدور الأول فى معمل الأبحاث ليستقبلنا الدكتور عاطف عبد الحميد، رئيس هيئة الطاقة الذرية، دعانا لتناول فنجان من الشاى، خلال ذلك كانت هناك أسئلة تدور فى الذهن عن خطورة الجو المحيط بنا وتأثير ذلك على الطعام والشراب وعلينا، فطن أحد مرافقينا لذلك فطمأننا قائلا: "الطعام هنا أكثر أمانا من الخارج"، مشيرا إلى أن الحد المسموح به لتعرض العاملين هنا للإشعاع وفقا للمعايير الدولية هو من 1 : 20%، مؤكدا أن العاملين هنا لا تتخطى نسبة الإشعاع التى يتعرضون لها 5% وهى أقل بكثير من الإشعاع الذى يتعرض له من يجرى أشعة مقطعية.

عقب ذلك انتقلنا إلى غرفة مجاورة تم عرض فيلم تسجيلى عن المفاعل الأول والثانى، أوضح الفيلم أن هيئة الطاقة الذرية، تضم 3 مراكز علمية كبرى تتمثل في مركز البحوث النووية والمركز القومي لبحوث وتكنولوجيا الإشعاع ومركز المعامل الحارة ومعالجة النفايات، فضلًا عن مشروع مجمع مفاعل مصر البحثي الثاني ومعجل السيكلوترون، بينما ستقتصر على زيارة مصنع النظائر المشعة، ومفاعل أنشاص البحثي الثاني، والمعامل الحارة، والمسئولة عن التخلص الأمن جميع النفايات على مستوى الجمهورية.

توفير 3 أضعاف الاحتياجات المحلية من النظائر المشعة
حرص الدكتور عاطف عبد الحميد، رئيس هيئة الطاقة الذرية، على التأكيد خلال جولتنا على أن الهيئة قادرة على تلبية احتياجات السوق المحلية من النظائر المشعة، ليس هذا فقط بل بدأت بالفعل في تصدير بعضها لبعض الدول، على رأسها سوريا، موضحا أن الطاقة القصوى لمصنع النظائر التابع للهيئة قادرة على توفير 3 أضعاف الاحتياجات المحلية في مصر.

وأكد أنه يتم توريد النظائر للمستشفيات والمراكز الطبية في مصر بسعر يوازي 45% من السعر العالمى وبجودة عالية، ما يوفر العملة الصعبة، أما عن التخلص من النفايات المشعة فأوضح أن الهيئة مسئولة عن التخلص من النفايات المشعة على مستوى الجمهورية، لهذا لا يشكل التخلص منها مشكلة.

نشأة المفاعل ومراحل تطوره
وعلى أبواب المفاعل، استقبلنا الدكتور مجدى محمود ذكى، مدير مفاعل أنشاص، بالحديث عن نشأة المفاعل قائلا: "مفاعل مصر البحثى الثانى بدأ الاتفاق على إنشائه عام 1992، وتم تشغيله فى نوفبر 1997، وهذه مدة مثالية لإنشاء المفاعل فهو المدرسة الحقيقية لتبدأ الدولة بعدها فى إنشاء مفاعلات نووية لإنتاج الطاقة".

وأضاف ذكى أن قدرة المفاعل القصوى 22 ميجا وات، والمفاعل له تطبيقات شتى فى جميع مناحى الحياة السلمية، منها إنتاج النظائر المشعة المستخدمة فى المستشفيات لتشخيص وعلاج الأمراض، موضحا أن النظائر فور إنتاجها يتم نقلها خلال ساعات قليلة لاستخدامها فى جميع مستشفيات الجمهورية.

وتابع: "فى 2013 تم تعديل المفاعل لكى يستطيع إنتاج أهم مادة وهى الموليجرام، التى ينتج عنها اليوم 131 والتكنسيوم، وهذا يوفر كثيرا على الدولة من العملة الصعبة، لذلك فالمسمى الدقيق لمفاعل أنشاص، هو مجمع مفاعل مصر البحثي الثاني، ويضم "مفاعل أنشاص الثاني ومصنع النظائر المشعة، ومصنع الوقود"، مشيرا إلى المساحة الشاسعة التي تتمع بها هيئة الطاقة الذرية بأنشاص".

حين دخلنا غرفة المفاعل وجدنا غرفة بها فريق للتحكم عن طريق عدة أجهزة تمتد أمامهم بشكل دائرى، يفصله جدار زجاجى عازل عن المفاعل الذى تبدو أرضيته باللون الأحمر الداكن، ما يعطيك شعورا بأهمية وخطورة ذلك المكان، ارتدينا بالطو أبيض وجوارب من القماش الأبيض فوق الأحذية، لندخل ونلقى نظرة عن قرب داخل المفاعل، قبل الدخول أعطونا جهازا أصغر قليلا من حجم الموبايل وهو جهاز لقياس الإشعاع النووي وضعه أحد زملائنا فى جيبه، لقياس نسبة الإشعاع التي سنتعرض لها، وجاءت النسبة طبيعية في النهاية، كما لاحظنا أن المهندسين فى المفاعل جميعهم يحملون هذا الجهاز دوما.

بدوره، قال المهندس عبد الرحمن أبو العلا، مهندس نووي وتشغيل بالمفاعل، إن "المفاعل مخصص للأبحاث، وهو متعدد الأغراض، وأغلب الأغراض تتمثل في البحث العملي وإنتاج النظائر المشعة للأغراض الطبية والعلمية، وفي عام 2009 تم تغيير شكل المفاعل، ليستطيع إنتاج النظائر الطبية، ولم يكن موجودا سابقًا، وعند إنتاج النظائر الطبية، تم إنشاء مصنع النظائر المشعة، محط جولتنا الثانية، حيث يتم إرسال العينات المشعة في كونتينر محكم الإغلاق للمصنع، ويتم عمل الإجراءات لاستخراج التكنسيوم لعلاج المرضى من السرطان، أو اليود الذي يحقن به المرضة للعلاج من الغدة الدرقية".

بعد ذلك استقبلنا الدكتور ياسر توفيق، مدير مصنع النظائر المشعة، قائلًا: "إن المصنع بدأ إنتاج النظائر المشعة في عام 2015، لتحقيق هدف رئيسي للدولة لتغطية السوق المحلية، ويقوم بإنتاج 7 أنواع من النظائر منها الايريديوم بنوعيه والكروم واليود 131 والملينيوم والليثيوم يقوم بإمدادها لنحو 20 محافظة في مصر لأكثر من 70 مركزا ومركز أبحاث علاجيا ومستشفى عاما وجامعيا تضاهي درجة جودة النظائر التي تنتج في الولايات المتحدة الأمريكية، وتكلفة المصنع تعدت حين تم إنشاؤه 25 مليون دولار، ويأتي مصنع النظائر المرتبة التاسعة على مستوى العالم"، حسب ما أوضحه توفيق.

توفير 85% من احتياجات السوق المحلية من النظائر
وتوقف مدير مصنع النظائر المشعة، أمام وحدة الخلايا الحارة داخل المصنع، والتي أشبه بغرفة كبيرة بمساحة 8 أمتار عرضًا في 3 أمتار ارتفاعًا، والتي يتم بها تصنيع العناصر الأساسية، وينتج حاليا مولدات التكنسيوم 99، وهو أكثر النظائر المستخدمة في مصر لتشخيص الأورام، بالإضافة إلى نظير اليود 131 الذي يستخدم في علاج الأمراض السرطانية بالغدة الدرقية، وهي الوحدة الوحيدة في مصر والوطن العربي، ويغطي 85% من احتياجات السوق المحلية من النظائر المشعة.

وأضاف توفيق أنه قبل وجود هذا المصنع، كانت مصر تعتمد على الاستيراد، بخلاف أنه في السابق كان مريض السرطان ينتظر لأشهر وأسابيع للحصول على الجرعة العلاجية الخاصة به، أما الآن فالمريض يحصل على جرعته العلاجية في أقل من أسبوع.

طريقة التخلص من النفايات المشعة
فى ختام جولتنا كان لابد لنا أن نتعرف على كيفية التخلص من النفايات المشعة، سواء مخلفات المستشفيات أو المصانع أو حتى مخلفات مفاعل الضبعة فى المستقبل، وذلك عن طريق زيارة مركز المعامل الحارة، وهو المركز المسئول عن التخلص الآمن من جميع النفايات النووية، وفقًا للقانون المصري، حسب ما صرح به الدكتور عصام صالح زكريا، رئيس المركز، منوهًا بأن النفايات النووية تأتي للمركز من كل الأماكن بمص، ويتم التلخص منها إما حرقًا بالمحرقة الخاصة بالمركز أو من خلال الضغط بحيث يتم تقليص حجم المواد المشعة للثلث، وبعد ذلك يتم تخزينها بطريقة آمنة 100%.

دفن 2 طن نفايات مشعة سنويًا
وأوضح زكريا أنه يتم حرق من 1 إلى 2 طن سنويًا من النفايات، حيث يتم التخلص من 90% من تلك النفايات، ويبقى منها الرماد الذى يصل إلى حوالى 100 كيلو على الأكثر يتم حفظها بطريقة آمنة ثم يتم دفنها فى مدافن خاصة لا يتم فتحها أبدا، فالنفايات ذات الإشعاع العالي يتم حفظها داخل "براميل أو مكعبات" خرسانية ويتم دفنها بمدافن دائمة في أعماق معينة، وفي تكوينات جيولوجية مستقرة، يتم اختيارها بعناية، مشيرا إلى أن العمر الافتراضى للنفايات يتراوح من عدة أشهر لآلاف السنين.

وحرص الدكتور ياسر فؤاد عبد الحميد، الأستاذ بقسم الكيمياء التحليلية والمشرف على المحرقة والنفايات المشعة، على طمأنتنا بأن الفريق المسئول عن التخلص من النفايات بالحرق أو بالدفن على أعلى مستوى بالعالم، وحاصلين على دورات عالمية، وأغلبهم خبراء بالوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وذكر أن النفايات ذات الإشعاع المتوسط والمنخفض، وتنقسم إلى نوعين سائلة وصلبة، النفايات الصلبة، يتم تحديد مركز التجميع والفرز من حيث قابليتها للاحتراق فى "المحرقة" أو لتقليص الحجم عن طريق ضغطها فى جهاز خاص بذلك، لتسهيل المعالجة والتلخص منها، والنفايات الصلبة التي تشمل عناصر مشعة ذات عمر نصفي قصير يكون "بالحرق – الضغط – الدفن"، وتعتبر الطريقة الأكثر شيوعًا بالنسبة للنفايات التي يصعب تحويلها إلى نفايات عادية بالدفن بمدافن مغلقة قريبة من سطح الأرض بإحدى النقاط المركزية التابعة للمركز.

أما عن النفايات المشعة السائلة، فهناك معمل آخر للتخلص منها عن طريق تبخيرها وتكثيفها وتجميعها في أوعية خاصة، ويتم عمل قياس دوري لمستوى الإشعاع، وعند وصوله لمستوى المسموح به يتم تصريف النفايات من خلال شبكة الصرف الصحي، وهو ما يسمى "المعالجة بالاضمحلال"، إذا كانت تحتوي على نويات عناصر ذات عمر نصفي طويل، فذلك يستعدي معالجتها قبل التخلص منها، والمعالجة الكيميائية هي الأكثر شيوعًا.

وعن أمان العاملين عند التخلص من النفايات النووية، ابتسم الجميع مقدرين مدى التخوف الذى يصيب أى شخص، خصوصا عند دخوله للمرة الأولى الى تلك المعامل، مؤكدين أن ما يتعرض له أي إنسان عادي عند مروره على أجهزة "الأكس راي" المنتشرة، أضعاف ما يتعرض له العاملون بمركز المعامل الحارة عند التخلص من النفايات، مؤكدين أيضا أنهم مدربون ومؤهلون بشكل جيد لأداء عملهم وأن معايير الأمان مطبقة بشكل كامل فى المفاعل.

فى نهاية الجولة، أكد كل العاملين فى المفاعل أن مصر قادرة على إدارة البرنامج النووى بمنتهى السهولة، فمفاعلات البحوث تشغيلها أصعب من المفاعلات النووية التى لا تحتاج إلى مهارة خاصة.