الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أسئلة شيطانية لملائكة مصر


شاءت الأقدار أن أزور بعض البلدان حول العالم، وأتواصل مع أبناء هذه الثقافات، وبمنتهى التجرد أجزم أن المصريين مذاق آخر، وطبيعة إنسانية مفعمة بالخير والمهارات الفردية، ولكن.

أعيب علينا جهلنا وجهلنا بجهلنا، حتى أننا عشنا جميعا كمنظرين رافضين الاعتراف بالتخصص وانكباب كل منا على ما يجيده ويفيده، وأن يكون حرصنا على ما ينفعنا.

فقدنا التمييز بين الجيد والسيئ، وصرنا بسبب صيرورتنا أسرى لجهلنا، وموروثاته الفكرية الرديئة، مثل كتلة تتدحرج فوق طريق التهلكة للسقوط الرهيب لا محيص.

فمن الجيد أن نخفف ضغوط الحياة بالنكات والإفيهات؛ لكن أن تتحول حياتنا بالجملة إلى حالة هزلية، وأن ندمن هذه الإسقاطات حتى تحولنا لجماعة من السكارى، فذلكم الخطر الداهم.

وعندي أسئلة وليعتبرني أبناء الانقسام الحاد الذي يبلغ التشرذم في المحروسة أنها أسئلة لشيطان يبتغي وجه مسؤول أو وجه السلطة في المجمل أو ما شابه؛ لكن فقط آمل استلام جواب ملائكة مصر عليها..

ألسنا جميعا نعيش دور الوصاية على بعضنا؟ ألم تتغير طباعنا وأخلاقنا للأسوأ، حتى انحدرنا إلى مستنقع نسبح فيه بين الكراهية والحقد والشك؟

ألا نستسهل التقول على الآخر دون بينة أو برهان؟

ألم نستحسن الكسل ونقدم المال وجمعه على العلم وطلبه؟

ألم تأسرنا الغواية وحب الذات وبات بأسنا بيننا شديد؟

وعندي عشرات الأسئلة الأخرى فهل من إجابة عليها بغير "نعم"؟

فهل مجتمع يسبح في الجهل ويسقط قيمة العلم والعلماء والثقافة والمثقفين ويقدم عليهم المتعة والمال يمكن أن ينهض؟ يمكن أن يحمي بلاده؟ يمكن أن ينهض بها؟

أنا لا أقول إن المصريين جميعًا هكذا؛ لكن لنكن صرحاء هذا حال أغلبنا.

حين يقول الرئيس عبدالفتاح السيسي، أن أخطر ما يهدد الشعوب والدول هو أن تتفكك من الداخل، فذلك ليس له علاقة بشخص الرئيس اتفقت أو اختلفت معه؛ لكن له علاقة بمخطط دولي رهيب قائم بالفعل وعليه عشرات الأدلة القاطعة.

له علاقة بحرب حقيقية، وليست أسطورية.. حرب من الجيل الرابع تتحول بعد ذلك للجيل الخامس.

حرب يستخدم فيها ذلك القابع في واشنطن أو تل أبيب أو لندن حالتنا المتردية علميًا وأخلاقيًا وماديًا ليحتل عقولنا، ويمهد بأيدينا طريقه لاحتلال أراضينا.

سيحدد هو ساحة المعركة وزمنها، وسنكفيه بجهلنا مؤنة مواجهتنا فيخسر جندًا من جنوده.

في هذه الحرب سنفقد التمييز بين العدو والحليف، وسنروح نطلق النيران في كل الاتجاهات، وعندما ينقشع دخان الرصاص سنكون كلنا صرعى.

لم يعد عدونا بحاجة لأي معلومة عنا وعن عاداتنا، فحساباتنا على وسائل التواصل الاجتماعي وما ندونه كفل لهم ذلك؛ بل إن كثيرًا من أسرارنا باتت في خزائنهم.

تمكن القابع في واشنطن أو تل أبيب أو لندن من جعل كل مواطن فينا منغلق على حسابه أو حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي، وصرنا نهديها طوعًا من ساعات يومنا ما لم نهده لأسرنا وجيراننا وأصدقائنا؛ بل لا نهديه حتى لأعمالنا وأحلامنا وأحبابنا!

وفي ظل كل ما نعيشه ونعايشه من معاناة ووسط هذا الغبار الكثيف من التخلف، نعطي أنفسنا الحق في أن نراقب الناس ونحكم على أفعالهم وننصب أنفسنا أوصياء عليهم، ونروح ننقدهم أو نسوق ما يستوجب عليهم فعله، والمصيبة الأدهى أن كل ذلك غالبًا ما يكون في غياب المعني بالنصح والتوجيه!

ليس من العسير رصد ذلك في مصر، ولا أعلم حين يتحدث فرد على هذا النحو، كيف يرى نفسه وماذا يراها؟

للأسف يفشل المتحدث في الوقوف على الدور الذي يلعبه عند التنظير والنصح، فلا يميز أهو مسؤول أم مواطن؟ شاهد أم متهم؟

وهذا ما يجعلنا دومًا نعيش في دائرة من المكلمات لا تعرف لها محيطًا ولا مركزًا، وبالتالي كيف ننتج؟ وإن أنتجنا فكيف سيكون حجم إنتاجنا؟ وهل هذا الإنتاج أقصى ما كان في جهدنا، وأنه ليس بالإمكان أبدع مما كان؟

الحقيقة لا.. بل بالإمكان أن نغير من أنفسنا، بأن نقف عند أخطائنا ونعترف بعيوبنا، ونعلي من قدر التخصص، وألا نتحدث بغير علم، وأن نعلي من قدر العلم فعلا لا قولًا.

لا بد أن ندرك أننا نفسد حياتنا حين نضيع الساعات الطوال بين وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي من شأنه عزلنا عن واقعنا المعاصر، والذي نحن جميعًا بحاجة لأن نتكافل ونتعاون ونتحد ونتكامل كي نغيره بما يليق بنا كأبناء أمة ذات حضارة ضاربة في عمق التاريخ.

سنكون أفضل حين نعي أن تحولنا لأسرى الشك والتشكيل هي غاية ما يريده العدو منا، فمن شأن ذلك الشك الدائم بعلة وبدون علة أن يحولنا لمجتمع يبغض أفراده بعضًا، ومن ثم التحول لمجتمع فاشل.

نحن بحاجة للوقوف مع أنفسنا وأن نسأل أنفسنا سؤالًا قبل أن نشرع في قول أو فعل، وهو:

أيصب ذلك في صالح الوطن أم لا؟

فإن كان في صالحه فعلناه وما كان غير ذلك أسقطناه.

عاشت مصر بشعبها حرة كريمة.

اللهم بصرنا بعيوبنا.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط