الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

زين ربيع شحاتة يكتب: استخدام النيل سياسيا حقد يكشفه جهل

صدى البلد

النيل شريان الحياة لمصر وحبلها السرى الذى يغذيها من وراء الحدود، ويدرك أعداء الوطن قبل أصدقائه أهمية النيل وقوة تأثيره على السياسة المصرية، ومن يطلع على تاريخ الاستعمار سيدرك أن النيل كان سلاح التهديد الأكبر الذى يتخيل المستعمر أو العدو المتربص أنه سيكون سببا فى خضوع واستسلام الإرادة المصرية، وبالرجوع إلى تاريخ مصر القديم والحديث يمكننا اتخاذ نهر النيل كقرون استشعار لاقتراب أو وجود الخطر، وهناك عدة أحداث تاريخية تؤكد ذلك، منها ما ذهب إليه " أردشير الثالث " ردًا على امتداد المد الثورى فى مصر ضد الاحتلال الفارسي فى القرن الرابع قبل الميلاد ففكر فى قطع مياه النيل عن مصر، وفى القرن الخامس الهجرى وفترة الغلاء العظيم أو التى عرفت بالشدة المستنصرية أشيع بين الناس أن الحبشة سدت مجرى النيل فتوجه الخليفة المستنصر بالله إلى الحبشة وطلب منهم إطلاق النيل.

وفى العصر الحديث ذهب الاستعمار البرتغالى إلى ما ذهب إليه ملك الفرس حين أتصل الغازى البورتغالى "البوكيرك" بــ "برسترجون" ملك الحبشة يطلب منه شق مجرى من منابع النيل الأزرق إلى البحر الأحمر لتتحول المياه إلى البحر الأحمر وتترك مصر لتصبح واحة مفقودة فى الصحراء، ثم جاء الاحتلال الإيطالى للحبشة وبدأ التلويح بقطع مياه النيل عن مصر، ما جعل بريطانيا تستغل هذا التلويح وتقدم نفسها حامى الحمى بما يسمح لها ببسط نفوذها على مصر والسودان وباقى دول حوض النيل.

وبالرجوع إلى الاستعمار البريطانى نجد أنه أكثر أنواع الاستعمار خبث وخطورة على مياه النيل وأنه أكثر من استخدم سلاح النيل للضغط على مصر حتى أصبح النيل سيفا مسلطا على رقبة السياسة المصرية تلوح به كلما استدعت الضرورة، حتى جهر أحد أعضاء مجلس العموم بأن على مصر أن تدفع ثمن كل لتر من مياه النيل و كان النيل حاضرًا فى كل صراع سياسي بين مصر والدولة البريطانية، وبدأت حكاية الاستعمار الإنجليزى مع النيل من السودان فى عهد اللورد كيتشنر الذى كان يتابع ويشرف شخصيًا على خطط تخزين المياه فى السودان والتى بدأت بإنشاء خزان سنار عام 1925م على النيل الأزرق لتزويد مشروع قطن الجزيرة الذى يستهدف زراعة 300 ألف فدان، بعدها تم الضغط على مصر لزيادة كمية المياه المخزنة بزيادة الرقعة الزراعية فى الجزيرة إلى ثلاثة أضعاف المساحة المتفق عليها، مستغلًا اغتيال "السير لى ستاك" سردار الجيش المصرى وحاكم السودان فى القاهرة، بالإضافة إلى إنشاء خزان جبل الأولياء الذى روج الإستعمار أنه لمصلحة مصر، وقد اعترضت مصر على إقامة هذا الخزان ولم ترضخ حكومة الإحتلال وهددت بالمضى فى حفر الخزان دون الحاجة إلى موافقة الحكومة المصرية، وبالفعل تم إنشاء الخزان فى عام 1937م وكان الهدف منه جعل النيل الأبيض ينتهى ببحيرة كبيرة ويكون هذا الخزان أكبر سلاح رادع لمصر ويستخدم لإخماد أى حركة تحرر وطنى تستهدف مقاومة الإحتلال، وظل الإحتلال البريطانى يشعل نيران الفتنة بين الأشقاء فى مصر والسودان بإقتلاع بذور حسن النوايا.

مما سبق يتبين لنا أن النيل سلاح يستخدمه أعداء الوطن للتحكم فى الإرادة المصرية، فى جهل يكشف عن حقد، وحقد يكشفه جهل لأن حقوق مصر المائية تضمنها شرعية " الأرتفاق " و أن مياه النيل تروى المصريين بالحياة من قبل أن يكون فى هذه الدول حياة.