الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كاهن الحب


"وأنت .. أنت يا توأم الروح .. يا منية النفس الدائمة الخالدة .. يا أنشودة القلب في كل زمان ومكان .. مهما هجرت .. ومهما نأيت .. عندما يوشك القرص الأحمر الدامي على الاختفاء ارقبيه جيدا .. فإذا ما رأيت مغيبه وراء الأفق .. فاذكريني .. اذكريني".  

كان هذا هو شكل الحب في رواية بين الأطلال لفارس الرومانسية الأديب يوسف السباعي وغيرها من روايات هذا العصر. 

وكان أيضا "كاهن الحب " أو الرائع إحسان عبد القدوس هو أصدق من وصف ما تحت جلد المرأة من مشاعر وأحاسيس.. بقلمه الجريء الحساس كتب أدق خبايا وتفاصيل مشاعرها في رواياته، مهما وصفت هذه المشاعر بالجرأة والخصوصية وحتى لو كانت الدعوة إلى الحرية أهم ما تخفيه.

فمن ينسى رواية أنا حرة أو شيء في صدري أو منتهى الحب .. هذه الروايات التي شكلت فكر ووجدان وشخصية الكثير منا وكانت حتى مفرداته اللغوية مختلفة .. جريئة تعري أحاسيس لم يتعرض لها غيره.

فمثلا في رواية شيء في صدري يظهر أدق تفاصيل مشاعر المرأة عندما يُنتهك جسدها وهي علي فراش المرض، فترهب هذه النظرات مغتصبها فلا يستطيع استكمال فعلته فيقول: "وامتدت يدي المحرمة ورفعت عنك الثوب وارتفع جفناك، وبدت في عينيك نظرة رعب، لقد خفت من رعبك"، فنظرة المرأة وهي في حالة رعب من اقترابه منها جعلته يتراجع .. هكذا كان الكاتب المبدع يغوص في أدق أحاسيس المرأة.

وكان أيضا يتبنى فكر قاسم أمين بتحرير المرأة حتى وهو يناقش قصص الحب ففي رواية أنا حرة تحدث على لسان أبطاله عن الحرية المسئولة قائلا " قبل أن تطالب بحريتك اسأل نفسك لأي غرض ستهبها". ربما هذا ما جعل شكل الحب في رواياته مختلفا وبعيدا عن الرومانسية الخالصة والفيض العاطفي الذي كان يستخدمه غيره من الكتاب مثل يوسف السباعي. 

وكانت هناك جسارة في مكاشفة الأحاسيس بين علاقة المحب بحبيبه في هذه الروايات فاتهمه البعض بتعرية المجتمع وإظهار أخطائه، واتهمه البعض بأنه أديب الفراش وانتقد آخرون أدبه ووصفوه بالأدب الإباحي، وهو يناقش هذه العلاقة ويوصف أدق التفاصيل والمشاعر الحقيقية كما هي بجرأة غير معتادة، فرد الكاتب العظيم تعليقا على ذلك:  

"منذ سنين عديدة وجدت في نفسي الجرأة لتحمل هذه المسئولية والهدف هو إبراز هذه العيوب، وأن يحس الناس بأن أخطاءهم ليست أخطاء فردية بل هي أخطاء مجتمع كامل، أخطاء لها أسبابها وظروفها داخل المجتمع، ونشر هذه العيوب سيجعلهم يسخطون وسيؤدي بهم السخط إلى الاقتناع بضرورة التعاون على وضع تقاليد جديدة لمجتمعنا تتسع للتطور الذي يختاره وتحمي أبناءنا وبناتنا من الأخطاء التي يتعرضون لها نتيجة هذا التطور، وهذا هو الهدف الذي حققته قصصي".

وربما لأن المرأة كانت هي الكيان المهيمن علي حياته فعرف كيف يعبر عن مشاعرها ويترافع عنها وعن قضاياها حتى في روايات الحب. 

لا أعرف لماذا خطر على بالي الحديث عن الحب بمفرداته وتفاصيله وكتابه الذين شكلوا فكر ووجدان أجيال كانت تتعامل بشكل مختلف عن الأجيال الجديدة التي تجيد التكنولوجيا ولا تعرف كيف تحب.. فتمارس العنف والتحرش والعقوق والجفاف العاطفي والحدة.. أعتقد أننا نحتاج لكتاب مثل هؤلاء الكتاب الذين علمونا كيف نحب وكيف يرتقي هذا الحب بمن يمارسه ليسمو بأخلاقه وصفاته ويصبح بتفاصيل مختلفة تؤهله أن يكون محب فيعرف التسامح واللين والمرونة وتقبل الآخر ويرى الجمال في الصورة ويتجاهل القبح ليس هذا فقط، ولكن كان هذا الحب في روايات كتابه بتفاصيله يرقق مشاعر جيلنا فلا نعرف أبدا ماهو العنف ولا كيف يمارس .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط