الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

واحة الاحتكارات الحصرية


منذ سنوات طويلة مضت , حدث اندماج بين اثنتين من كبرى شركات الادوية فى العالم , إحداهما شركة إنجليزية والاخرى شركة أمريكية , ونشأ عن هذا الاتحاد كيان عملاق فى مجال صناعة الادوية , وفوجئ الجميع بمنع هذا الكيان الجديد من العمل فى الولايات المتحدة الامريكية , نتيجة اعتراض السلطات الامريكية المختصة بمنع الممارسات الاحتكارية على هذا الاندماج .

وذلك لأنهم وجدوا ان هاتين الشركتين كانتا تتنافسان فى إنتاج عقار لعلاج أحد الامراض الفيروسية , ومع هذا الاندماج بينهما نشأت شركة واحدة سوف تمتلك العقارين معًا , ورغم أن العقارين هما لعلاج مرض جلدى فيروسى لا يشكل تهديدًا مباشرًا لحياة الناس على الاطلاق , إلا أنهم وجدوا ان ذلك قد يضر بالمرضى نتيجة عدم وجود منافسة , خضعت الشركة الجديدة للقواعد وتم بيع أحد أدويتها لشركة أخرى كى يتم السماح لها بالعمل فى السوق الامريكى .

تذكرت هذا الموقف الذى تصادف ان عايشته بنفسى وأنا أراجع قواعد حماية الاحتكارات فى مصر والمعروفة بقواعد الوكيل الحصرى , فنحن لدينا فى عالم الادوية والمستلزمات الطبية قانون يحمى المحتكرين , نعم قانون لحماية المحتكرين وإن كان له مسمى غير ذلك , وقد وسبق وان كتبت عن بعض جوانب سوق الادوية والمستلزمات الطبية إبان الازمة الحادة التى مرت بها مصر وبخاصة المحاليل الوريدية التى تضاعف سعرها وبات له سوق سوداء ظالمة للمرضى الابرياء , وطالبت بفتح الاسواق , ولم يتم حل الازمة مؤقتًا الا بعد تدخل جهة سيادية تملك سلطة أعلى من سلطة الوكلاء المحتكرين الحصريين .

ففى مصر لكل سلعة مستوردة وكيل حصرى لها , هو وحده المسموح له باستيرادها , يقوم بتسجيلها فى وزارة الصحة , ثم يتحول بعد حصوله على شهادة التسجيل الى محتكر وحيد لأستيرادها وبيعها , ويصبح الوحيد المسموح له بالاستيراد والتسعير والبيع كيفما يشاء ولمن يشاء وقتما يشاء , ومن هنا تبدأ أولى رحلة معاناة المريض المصرى اذا قاده حظه العاثر الى الحاجة اليه , فى تقنين خطير للاحتكار أضر ويضر بمصلحة المريض المصرى , وجعل السلع تباع على حسب هوى أو جشع أو قناعة المحتكر لها , والقناعة والاحتكار لا يجتمعان فى شخص واحد الا من رحم ربى .

ولذا وجب علينا مراجعة القوانين والقرارات المنظمة لعمل الوكلاء التجاريين فى المجال الطبى لما تشكله من ضرر على مصلحة المريض , وكذلك إجرءات وقواعد تسجيل الاجهزة والمستلزمات الطبية فى مصر , وتبسيط هذه الاجراءات مثلما تم فى مجال الادوية والمكملات الغذائية , لأن بعض الاجهزة والمستلزمات الطبية لا تقل أهميتها للمريض عن الادوية , بل ان بعضها هو فى حد ذاته العلاج الوحيد للمريض , وبخاصة الاجهزة التعويضية وأجهزة مرضى القلب والعناية المركزة وغيرها من الاجهزة والمستلزمات الطبية الحيوية.

لقد كتبت ما رأيته وعايشته بنفسى , ومثلما شاهدت أمريكا تمنع شركة أمريكية من العمل على أراضيها الا اذا تخلت عن أحد أدويتها كى لا تحتكر نسبة كبيرة من أسواقه , شاهدت أيضًا كيف رفض محتكر حصرى توريد جهاز حيوى لمرضى القلب فى مستشفيات مصر كلها الا عن طريقه فقط , وبالسعر الذى يحدده , ولو كان لدينا مرونة فى تسجيل البدائل او مرونة فى السماح لأى مستورد باستيراد اى سلعة مسجلة فى وزارة الصحة طالما جاءت بنفس المواصفات ومن نفس المصدر لكنا أنقذنا حياة الكثير من المرضى الضعفاء , ولما صارت مصر واحة الاحتكارات الحصرية المسماة واحة الوكالات الحصرية للأدوية والمستلزمات الطبية .

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط