الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حصون وقلاع وطوابي.. تفاصيل الاستحكامات الحربية التي حمت رشيد من الإنجليز والفرنسيين قبل 200 عام

صدى البلد

كانت رشيد من المدن ذات الصفة الحربية منذ العصر الفرعوني وحتى عصر محمد على، باستثناء العصر العثماني الذي كانت فيه المدينة ذات صفة تجارية، وكان موقع المدينة على نهر النيل وتحكمها في المدخل الغربي له أثر في زيادة الاهتمام بتحصينها.

واهتم الحكام منذ الفراعنة وحتى عصر محمد على بإنشاء الاستحكامات الحربية التي أنشئت بغرض الدفاع،وشملت الحصون والقلاع والطوابي، وتخلف من هذه الاستحكامات عدد كبير يتمثل في قلعة قايتباي وأحد أبواب المدينة، وكذا قلاع محمد على الواقعة على ساحل البحر المتوسط.

تفاصيل أكثر كشفها أ. د. محمود أحمد درويش أستاذ الآثار الإسلامية بقسم الآثار في كلية الآداب جامعة المنيا،وذلك ضمن مؤلفه"موسوعة رشيد - الجزء الأول"التاريخ و الاستحكامات الحربية"،الصادرة عن مؤسسة الأمة العربية للنشر والتوزيع.

وشهدت الأدلة المادية أن العمران بمدينة رشيد ارتبط بالظروف الحربية، فقد تركز الاهتمام بإنشاء الاستحكامات الحربية في العصر المملوكي وعصر محمد على،عدا التوسعات التي حكمتها الظروف الاقتصادية.

ونجد عكس ذلك في العصر العثماني،حيث لم تشهد رشيد إنشاء استحكامات حربية جديدة، بل تحولت الاستحكامات القديمة إلى مبان تذكارية أو كانت تقيم بها حاميات ليست لها قوة حربية، وانتشرت العمائر حول هذه الاستحكامات مما يدل على انتفاء وظائفها الحربية.

وكان لموقع رشيد على البحر المتوسط ومدخل نهر النيل أثر كبير في زيادة الاهتمام بتحصينها منذ عصر الدولة الحديثة (1575-1085ق.م)،ففي عصر الأسرة التاسعة عشر (1308-1186ق.م) قام الملك منفتاح ببناء تحصينات في رشيد للدفاع عن البلاد ضد هجمات القراصنة،مما يوضح الخطر الذي كانت تتعرض له الحدود الغربية والسواحل المصرية.

وقام رمسيس الثاني ببناء تحصينات على طول شواطئ البحر المتوسط، كما أقام بسماتيك الأول مؤسس الأسرة (26) معسكرا برشيد عام (663ق.م)،وكان يضم الميليزيين من سكان بعض جزر اليونان وغيرهم من القوات المرتزقة التي استخدمها في جيش مصر.

وعندما غزا الإسكندر مصر وقام ببناء مدينة الإسكندرية (331ق.م)، كانت بولبتين"رشيد" سوقا رائجة، واستمرت بها صناعة العجلات الحربية،لكنها بدأت في الاضمحلال بعد بناء الإسكندرية،كما ذكرت المصادر أن عمرو بن العاص بعد أن فتح مدينة الإسكندرية عقد صلحا مع صاحب رشيد، وقد أولى اهتمامه بالثغور والسواحل خشية مهاجمتها من قبل البيزنطيين.

وعندما قامت الدولة العباسية كان الخطر البيزنطي لا يزال يهدد الدولة، فأمر المتوكل العباسي واليه عنبسة بن إسحق ببناء مجموعة من الربط عام 239هـ (853م)، وقد نشأت المدينة نشأة حربية في عهد أحمد بن طولون (256هـ/870م) على أطلال مدينة بولبتين وقريبا من الرباط.

واستمر التهديد الخارجي لرشيد طوال العصر المملوكي عندما استولى المغول على بغداد عام 656هـ (1258م)، ودخل المماليك المعركة ضد الصليبيين والمغول منذ عهد بيبرس671هـ (1272م)،كما أغار الفرنج على رشيد في عهد الظاهر أبو سعيد جقمق عام 841هـ (1438م)، مما دفعه عام (845-857م) لتزويد المدينة بالجنود لحمايتها،لتصبح مجرد ثغر حربي.

كما ازدادت قوة الأتراك العثمانيين الذين بدأت المصادمات بينهم وبين المماليك تتخذ شكلا خطيرا خاصة في عهد السلطان قايتباي الذي أولى الثغور اهتماما بالغا، واعتاد على زيارتها لتفقد القلاع والحصون، وأنشأ عام 876هـ (1472م) برجه برشيد، ومثيلا له بالإسكندرية، كما أمر السلطان الغوري بإنشاء سور على ساحل البحر وأبراج لحفظ الثغر.

ولم يهتم العثمانيون بإنشاء الاستحكامات في رشيد،فيما عنى محمد على بإقامة القلاع والاستحكامات فشرع في بناء سور حول مدينة رشيد وأبراج خارجها، واستدعى مهندسا فرنسيا في الاستحكامات يسمى جاليس، وعهد إليه اختيار السواحل ووضع مشروع لاستحكاماتها، وقد قام بتحصين قلعة قايتباى ووضع فيها أربعة عشر مدفعا، وأصدر إسماعيل باشا تعليمات بترميم الحصون وتسليحها بالمدافع.

وتميزت هذه الاستحكامات بخصائص معمارية وحربية فائقة ساعدت على التعرف على التطور المعماري والحربي وتطور العناصر المعمارية والحربية تبعا لتطور الأسلحة وتطور استخدامها، وتتبع التطورات التي مرت على هذه الاستحكامات في العصور التالية مثلما حدث في قلعة قايتباي التي ترجع أصولها إلى فنار الظاهر بيبرس وجددها السلطان قايتباي والسلطان الغوري والحملة الفرنسية ومحمد على.

كذالك قلاع محمد على التي أدخلت عليها العديد من التعديلات في عصر إسماعيل، وكان ذلك راجعا إلى تطور الوسائل الدفاعية والأسلحة المستخدمة بهذه الاستحكامات وبصفة خاصة التطور الذي شهدته صناعة المدافع منذ القرن الرابع عشر إلى القرن التاسع عشر.

وكشف درويش في موسوعته الحملات التي تعرضت لها المدينة والتي كانت مدعاة لبناء الاستحكامات الحربية، وتعرضت لأهم غزوتين في تاريخ المدينة وهما الحملة الفرنسية عام (1798م) والحملة الإنجليزية عام (1807م).

وتناولت الموسوعة تاريخ الاستحكامات الحربية بمدينة رشيد،وتاريخ الاستحكامات المملوكية وهي فنار الظاهر بيبرس وقلعة قايتباي وأسوار رشيد التي أقامها السلطان الغوري فضلا عن قلعة الأمير صلاح الدين بن عرام التي أمكن تحديد موضعها،كذلك أحوال الاستحكامات الحربية في العصر العثماني.