طفل شريد الذهن، وصفه معلموه بالفاشل، يئسوا منه في بداية مرحلته الدراسية بالمدرسة الابتدائية حتى طرد منها، عنفه والده وضربه بعد إحباطه من طفله الذي طرد من المدرسة في بداية التحاقه بها، ومن طفل متهم بالجنون والفشل إلى الشخص الذي أضاء العالم كله باختراعه وسطر تاريخه بنفسه ضمن العلماء.

توماس أديسون، الابن السابع والأخير من أسرة أمريكية بسيطة من أصول هولندية، ذلك الطفل المتمرد، طاف بخياله وحلق به إلى آفاقأكبر من المدرسة، فكان كثير الأسئلة قليل الإجابة، يعكف على تجربة كل ما هو جديد، بفطرته الاستكشافية وروحه المغامرة الحماسية الجريئة.
تجاهله العالم كله، إلا أن والدته كانت الشخص الوحيد التي وثقت به وبقدراته، حتى أنها خبأت عنه خطاب طرده من المدرسةوأبلغته سبب الطرد هو أن ذكاءه يفوق زملاءه مما اضطر المدرسة لفصله للذهاب إلى مدرسةأخرى تراعي ذكاءه، وشجعته على تجاربه حتى أنه كادت تجاربه في مجال الكيمياء أن تذهب بحياته، حيث اشتعل المختبر وهو غارق فيه وكادت النيران أن تلتهمه وانتهت هذه الواقعة بإصابته بشيء من الصمم .

أسئلة الطفل المتكرره دفعته للبحث عن إجابه لها، وفي رحلة بحثه عن سبب الطيران، قام بتجربة إحدى الأفكار على صديقه، حين حاول جعله يطير من خلال إعطاؤه نوع من الغازات أخف من الهواء،حتى يتمكن من التحليق في الهواء مثل البالونات، وبدلا من الطيران، بدأ صديقه في الصراخ من تأثير الغازات، ما تسبب في عقاب ماديسون ، وضرب والده المبرح له.
انتشلته والدته من دهاليز الظلام، وعبرت به من النفق المظم إلى النور، وأضاءت حياته بالكتب وتشجيعه على المطالعة لتوسيع آفاقه،ومع بدء اختراع التلغراف عمل إديسون كمتدّرب على التلغراف، بعد أن كان بائع مرطبات في شركة السكة الحديدية؛ حيث تكون الرسائل الواردة على التلغراف على شكل سلسلة من النقاط والشرطات التي تُطبَع على الورق، ويتمّ فك شيفرتها وقراءتها، لذلك لم يشكّل صَمَم إديسون عائقًا أمامه.

وفي الـ22 من عمره، كرّس إديسون جهده وطاقته لتطوير جهاز التلغراف؛ فأصبح الجهاز قادرًا على نقل رسالتين في وقت واحد وعلى سلك واحد، وحوّل الإشارات الكهربائية إلى حروف، ومع هذا التطوير انتقل إديسون إلى نيويورك لعمل عقد شراكة مع الخبير الكهربائي فرانك؛ لإنتاج طابعة إديسون العالمية لطباعة رسائل التلغراف والأوراق الماليّة، وتمكّن في عمر السابعة والعشرين من كسب أكثر من 100 ألف دولار مقابل بيع اختراعه هذا، ويُعدّ هذا المبلغ أكبر قيمةٍ تُدفَع لأيّ اختراع في ذاك الوقت.
ومن رحم الألم يولد الأمل، مرضت والدة أديسون، وعجز الطبيب عن إجراء عملية جراحية لها بسبب ضعف الإضاءة حينها،وتاجيل العملية إلى الصباح، ما دفع أديسون إلى التفكير في طريقة للإضاءة، وأجرى مئات التجارب لمحاولة إضاءة المصباح، وفي عام 1879، نجح أخيرًا في محاولته من خلال تجهيزه لزجاجة وضع بداخلها ثلاثة أسلاك من الكربون، حيث كانت تتحطم جميعها إلى أن جاء الليل وهو يضع السلك الرابع، لكنه في هذه المرة فرغ الزجاجة من الهواء، ثمّ أغلقها، وبعد ذلك أضاء النور بداخلها ليضيء بهذا الاختراع العالم أجمع، ولم ييأس أديسون من محاولته لإضاءة المصباح، ولم يقل أنّ محاولاته قد فشلت، بل قال إنّها تجارب لم تنجح حيث قال: (أنا لم أفشل، وجدت 10.000 طريقه لا يمكن للمصباح العمل بها).

نجح توماس أديسون في سطر حروفه في تاريخ العلماء، من خلال أكثر من الفي اختراع، كما قام بإنشاء مينيلو بارك والذي يعتبر أوّل مختبر للبحوث الصناعية، واستطاع تطوير الكثير من الاختراعات الكثيرة والتي كان أولها التلغراف الذي تمكن من بيعه بـ 10 آلاف دولار أمريكيّ، استخدم نظام الإضاءة الكهربائيّة في اختراع المصباح الكهربائيّ، واحتراع نظام لتوزيع الطاقة الكهربائيّة، ومنظار يعمل بواسطة الأشعة السينيّة لعمليات التصوير الإشعاعيّ.
اخترع أديسون جهاز الميكروتاسيميتر المعتمد على إضاءة القوس الكهربائي وإصدار الشعلات الغازية، بعدما كان العلماء في أمسّ الحاجة إلى أداة حساسة للغاية يمكن استخدامها لقياس التغيرات الدقيقة في درجة الحرارة المنبعثة من هالة الشمس خلال كسوفها على طول جبال روكي، كما يعد جهاز الفونوغراف هو أحد أهم اختراعات توماس إديسون، وتم ابتكار هذا الجهاز لأن جهاز التلغراف آنذاك لم يكن يلبي حاجة العلماء والباحثين في تمثيل الأصوات وتسجيلها بيانيًا، وقام بتطويره حتى لاقى رواجًا كبيرًا وتحول إلى منتج تجاري، فضلا عن ابتكاره جهاز تجميع الصور الفوتوغرافية الثابتة، وجعلها متحركة عن طريق تسجيل الصور على شريط ضيق من السلولويد لعرضها على شاشة السينما

صنع إديسون نسخة أصغر من جهاز الفونوغراف الخاص به، ووضعه داخل دمى استوردها من ألمانيا، وأعرب عن أمله في الحصول على دمية جاهزة لعيد الميلاد، المولد الكهربائي والبطارية القلوية وخلية الوقود الحديثة.
ويُعد إديسون رابع أكثر مخترع إنتاجًا في التاريخ، ويمتلك 1093 براءة اختراع أمريكية تحمل اسمه، فضلًا عن العديد من براءات الاختراع في وفرنسا وألمانيا،و كان له الفضل في العديد من الاختراعات التي ساهمت في وسائل الاتصال الجماهيري وفي مجال الاتصالات خاصة.