أرمنى مسيحى..قصة أول رئيس وزراء لمصر عارض سخرة المصريين..نوستالجيا

لم يخطر فى بال الجميع أن يكون أول رئيس وزراء فى تاريخ مصر ذو الأصول الأرمنية ان يغمره هذا الحب لمصر ، وكأنه مولود على أرض مصر الطيبة ومصرى الجنسية حتى النخاع، إلا أن شغفه بهذا البلد لم يمنعه من التعبير عن هذا الحب الجارف الذى لمسه الشعب وبشكل خاص الفلاحين الذى كان له دور كبير فى التخفيف عن أعبائهم فى الفترة التى تولى فيها منصب رئيس الوزراء.
"في كل مرة أسافر فيها إلي الخارج ، كنت أشعر بالحزن دوما لبعدي عن مصر، لذا كنت أشتاق إليها وأشعر بفرحة شديدة عند عودتي إليها ...".بهذه الكلمات الجياشة أكد بوغوص نوبار باشا أول رئيس لوزراء مصر في مذكراته علي حبه لمصر في رسالة بعث بها من الإسكندرية إلي زوجته في مدينة نيس الفرنسية في 25 فبراير 1867، حيث ظل الإنجليز يشككون في حب نوبار لمصر بدعوي أنه ليس مصريا ، وينظر إلي الأشياء من خلال كونه أرمنيا يقيم بمصر.
مواقفه لصالح الفلاحين المصريين سجلت بحروف من ذهب في التاريخ حيث روى في مذكراته" لقد طلبتم منى أربعة ألاف رجل سخرة من أجل إصلاح الخط، وأنتم تعلمون تماما مشاعرى حيال طبيعة هذا النوع من العمل، لقد أصلح كل من السيد مايش والسيد جازاجاس الخط بمجرد الاستعانة بعمال الصيانة العاديين؛ لذا أرجو أن تعتبروا أنفسكم ليس أهلا للبقاء بعد ذلك فى خدمة الإدارة" بهذه الكلمات الرنانة اظهر نوبار باشا أول رئيس لوزراء مصر سياسته الرافضة للسخرة واستعباد المصريين عندما تولى إدارة السكة الحديد بعد خطابه إلى روس كبير المهندسين الذى طلب من نوبار عمال السخرة لإصلاح عطل خط مزدوج أنشئ حديثا بين دمنهور وكفر الزيات.
نوبار باشا هو أول مسيحى من أصل أرمنى يحصل على رتبة الباشوية، من الخديوى إسماعيل، وكان الأقباط يصرحون بفخر، بعد وفاة هذا العاهل، بأن حالتهم تحت حكمه كانت أحسن مما هي عليه تحت الاحتلال البريطاني.
أبو الفلاح
لم يكن نوبار باشا بمنأى عن الفلاح المصرى الذى عانى خلال هذه الفترة ، حيث استطاع أول رئيس وزراء مصر ان ينتزع من الشعب المصرى لقب "أبو الفلاح" ، حيث عايش بؤس الفلاحين الذى سخروا وتركوا زراعاتهم وهجروها، وكانوا فى الوقت نفسه مطالبين بدفع الضرائب.
«أبوالفلاح» استطاع ان يجذب المصريين إليه بعد تعاطفه مع الفلاحين المصريين إزاء ما كان يعانيه من الضرائب والسخرة، وذلك الغبن الذى وقع عليه نتيجة أحكام المحاكم القنصلية الجائرة.
الوتر الإسلامى
على الرغم من انتماءه للديانة المسيحية بإعتباره أول أرمنى مسيحى يترأس الحكومة فى تاريخ مصر خلال الفترة من عام 1825 إلى 1899 ، إلا انه استطاع بحنكته السياسية ان يكون له طريقة إقناع فى تعامله مع الدولة العثمانية وولاة مصر، حيث ارتكزت سياسته فى أحيان كثيرة على مس الوتر الإسلامى.. فمثلا يتحدث مع إسماعيل عن الشورى فى الإسلام، وأنه سوف يحكم مع مجلس النظار ومن خلاله، والنتيجة أنه شكله فى 28 أغسطس 1878.
حاكم عام لبغاريا
خلال الفترة التى تولى فيها نوبار باشا رئاسة وزراء مصر، جانبه سوء الحظ بشكل غريب، حيث رشحته أوروبا حاكمًا عامًا لبلغاريا عام 1877، إلا أن اندلاع الحرب الروسية العثمانية في 27 إبريل 1877 حال دون تنفيذ ذلك.
وشغل نوبار باشا منصب رئاسة وزراء مصر 3 مرات، الأولى بين أغسطس 1878 و 23 فبراير 1879، وكانت ثاني وزاراته من 10 يناير 1884 إلى 9 يونيو 1888، وآخر وزاراته كانت من 16 أبريل 1894 حتى 12 نوفمبر 1895.
الرقابة الأجنبية
"كنت أريد تغيير الرقابة الأجنبية التى فرضتها علينا القوى العظمى بإدارة أخرى نخضع لها بأنفسنا، جعلت المراقبين وزيرين، كنت أريد وزراء مصريين ولكنهم فرضوا علىّ الأجانب، كانت دائما الرقابة، دائما حكومتان تحكمان حكومة ثالثة وهذه ليست فكرتى التى فشلت وإنما هى فكرة الحكومة الفرنسية" ، كانت هذه اخر كلمات نوبار باشا والتى قام بروايتها فى نهاية مذكراته الأخيرة مدافعا عن نفسه بعد الإتهام التى وجهت لحكومته بموالاته للأجانب على حساب المصريين ، وما اشتهر عنه النزعة الأوربية ، وإثارة المصالح الأجنبية على المصالح القومية ، مما أدى إلى زيادة كراهية الناس للوزارة لاشتمالها على عضوين اجنبيين لهما النفوذ الفعال ، وهما السير ريفرز ويلسون وزير المالية ، والمسيو بلنيير وزير الأشغال.