الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الثائر الحق..جميلة بوحيرد 67 سنة نضال..حاربت الاستعمار الفرنسي ووقفت ضد بن بيلا وتظاهرت ضد التمديد لبوتفليقة

صدى البلد

بين ازدحام المتظاهرين، وصخب الشعارات، تتدافع الأقدام وتعلو الأصوات، تتشابه الأشخاص، ولكن واحدة بينهم لم تبدو كالباقين، انقلبت صفوف المتظاهرين فور قدومها، التف المئات حولها، امرأة في الثمانينيات من عمرها زين الشيب شعرها، ورسمت التجاعيد وجهها لتطوي بينه تاريخ مناضلة الجزائر الأولى، التي اعتادت منذ صغرها على صفوف المتظاهرين، تتصدر مشاهد الثورات، سطرت اسمها في التاريخ بنضالها ووطنيتها ضد الاستعمار، وبعد سنوات طويلة من الاختفاء عن الأعين، عادت جميلة بوحيرد للظهور مجددا، فاجأت الشعب الجزائري، أمس الجمعة، بتواجدها بين صفوف المتظاهرين المعارضين لترشح عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة.


بزي المدرسة وقفت في طابور الصباح، يسترسل شعرها الناعم على كتفيها ليغطي ملامح طفلة لم تبد كزملائها في الصف، يوم بدا كسابقه ولكن غير الكثير في قلب الطفلة الصغير، ليعلو صوت ناظر المدرسة قائلا:" فرنسا أمنا" ، تردد الفتيات خلفه ويقطعهن صراخ الصغيرة قائلة: "الجزائر أمنا"، لتغدو جميلة بوحيرد رمزا للنضال في الجزائر وأيقونة المقاومة الوطنية ضد الاستعمار الفرنسي في التاريخ.

شعرت الطفلة جميلة حينها أن وطنها مسلوب منها، يستحوذ عليه الأجانب، استعمروها حتى تبدلت لغتها إلى الفرنسية، وأصبحت الجزائر بمثابة مدينة فرنسية جديدة، وبالرغم من ولادتها لأم تونسية، عام 1953، إلا أن والدتها غرست فيها حب الوطن، وانتمائها لجذور والدها الجزائري، وظلت تشعل داخلها غريزتها للمقاومة، فكبرت الفتاة وبداخلها حالة تمرد على الوضع في البلاد، نشأت وأكملت دراستها ثم إلتحقت بمدرسة لتعليم الحياكة لحبها الشديد لتصميم الأزياء، بجانب هوايتها الرقص الكلاسيكي وركوب الخيل.


ومع اندلاع الثورة الجزائرية عام 1954، التي كانت بمثابة شعلة انطلاق جميلة، فانضمت إلى جبهة التحرير الوطنية الجزائرية لمقاومة الإستعمار الفرنسي، وعملت على النضال في أكثر من جهة، فالتحقت بالمجموعات الفدائية وتطوعت قبل الباقين لزراعة القنابل للمستعمرين الفرنسيين، وكان دور جميلة النضالي يتمثل في كونها حلقة الوصل بين قائد الجبل في جبهة التحرير الجزائرية ومندوب القيادة في المدينة، ياسيف السعدي، الذي كانت المنشورات الفرنسية في المدينة تعلن عن دفع مبلغ مائة الف فرنك فرنسي ثمنا لرأسه.

كانت جميلة بمثابة الشوكة في حلق الاستعمار الفرنسي، والتي كبرت ويجب اقتلاعها، فحاصرتها القوات الفرنسية في كل مكان حتى أصيبت بوحيرد برصاصة كادت أن تودي بحياتها عام 1957، لتسقط في قبضة الاستعمار، الذين لم يتركوا فرصة لتعذيبها، حتى أثناء تواجدها بالمستشفى فتعرضت لأسوا أنواع التعذيب أثناء أستجوابها إلا أنها صمدت أمام محاولاتهم، وحينما يأسوا منها تمت محاكمتها وأصدر الحكم عليها بالإعدام. 

قالت جميلة جملتها الشهيرة بعد حكم الإعدام:" أعرف أنكم سوف تحكمون علي بالإعدام لكن لا تنسوا إنكم بقتلي تغتالون تقاليد الحرية في بلدكم ولكنكم لن تمنعوا الجزائر من أن تصبح حرة مستقلة"، ليصل مداها العالم أجمع، الذي انتفض على حكم إعدامها ورفضت لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة الحكم بعد الهجوم والاستنكار الذي تعرضت له، فتم تخفيف الحكم إلى السجن مدى الحياة.


وحلقت جميلة بوحيرد في سماء الحرية مع تحرر الجزائر من الاستعمار الفرنسي عام 1962، وتزوجت محاميها الفرنسي جاك فيرجيس سنة 1965 الذي دافع عن مناضلي جبهة التحرير الوطني خاصة المجاهدة جميلة بوحيرد والذي أسلم واتخذ منصور اسمًا له.

لم تقف وطنيتها مع تحرير الجزائر فتولت إدارة اتحاد المرأة الجزائري بعد الاستقلال، وبسبب خلافاتها المستمرة مع رئيس الجزائر “أحمد بن بيلا” في ذلك الوقت، بقيت تناضل في سبيل كل هدف تهدف له وكل قرار تقرره حتى فاض كيلها بعد مرور سنتين وقررت ترك الساحة السياسية تماما، ولازالت تعيش مختفيه عن الأنظار حتى الوقت الحالي، تظهر للعالم بين آن وآخر لتثبت أنها مازلت رمز الوطنية والنضال ضد الاستعمار.