الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

وما هو أقوى من المخدرات!


فكرة الفصل من الخدمة عقابا لتعاطى المخدرات جديرة بالاحترام والتشجيع .. فالمجتمع المصرى يعيش منذ أجيال حالة من التبلد وغياب العقل وضعف الاتزان .. وكثيرا من كوارثنا وأزماتنا مصدرها هيمنة "المخدر" على سلوكياتنا وبصورة تفضى إلى عدم التركيز وفقدان الإرادة والتفكير السليم .. وثمة ظواهر تقتضى الاستئصال من قاموس حياتنا حتى تستقيم الأمور ونستعيد أنفسنا، ومستنقع المخدرات ما هو إلا فرار من الواقع بكل إحباطاته وآلامه التى تدفع المرء إلى الاستسلام لـ "قطعة أفيون" أو "حقنة ماكس" أو "ورقة بفرة" داخل سيجارة ملفوفة، ومن هذا الطريق يبدأ مشوار الإدمان وتدمير الإنسان!.

ومازلت مقتنعا ومؤمنا بأن الوقاية خير من العلاج، وهكذا تعلمنا الدرس وشربناه منذ الصغر، ولكننا نرفض تطبيقه وترجمته إلى أفعال وقانون حياة .. وقبل أن نسارع إلي معاقبة من يتعاطى المخدرات ويقع فريسة سهلة لها، علينا أن نبادر أولا بمنع أسباب اللجوء إلي هذا السلاح الفتاك الذى يهدد أبناءنا واقتصادنا .. والجزرة تسبق العصا أحيانا لتحول دون الاعتماد عليها فى تصويب الأخطاء وتصحيح المسار .. وفى قطاعاتنا الحكومية الملايين من الموظفين الأكفاء الشرفاء الذين يتقنون عملهم ويؤدون واجبهم على أكمل وجه ولايحلمون إلا بالتقدير المادى والمعنوى من الرؤساء ومنح من يستحق حقه المشروع فى الترقية السريعة وتصعيده في السلم الوظيفي وفقا لمعايير موضوعية ونزيهة عند التقييم والاختيار.

ومن نفس القطاعات نجد المهمل والمتقاعس أو المتكاسل عن أداء دوره فى خدمة الشعب والدولة، وهذه النوعية المُستهَدفة من "شبح" المخدرات والأقرب إلي الإصابة بأمراضها، لابد من إجبارها على الانغماس فى بيئة عمل صحية ونقية تقدر الموهوب .. وترفع من شأن المخلص والبارع فى مجاله .. وتعطى من يتفوق وينتج الامتيازات والمكافآة المنتظرة وعلي نحو أكثر سخاءً ووفرة .. فبجانب الراتب المحترم، يتم إقرار الحوافز التشجيعية والعلاوات الخاصة ليشعر الموظف بأن شرفه يلقى المقابل، وإخلاصه يحظى بالعائد، وتفانيه فى العمل موضع تقدير عملى ولايمر مرور الكرام!.

عندئذ يتساوى الجميع أمام القانون وأعين الرقابة والمتابعة في الظروف ومناخ العمل، ويصعب فى هذه الحالة ظهور مساحة أو فرصة لاختراق المخدرات المكاتب أو العقول العاملة بعد أن انتفت أسباب التواكل والكسل والخمول .. واختفى الفراغ النفسى فى ظل انشغال كل موظف بمهامه وإنجازها بالكامل لإيمانه بأنه سيحظى بالثقة والمكسب المُشبع لاحتياجاته والتزاماته اليومية جزاءً على نشاطه وهمته .. وأعتقد أن الوصول إلي هذه الصورة يوفر الوقت والجهد والمال، ولن نكون بحاجة إلى إجراء تحاليل طبية لأي موظف للكشف عن نسبة المخدرات فى دمه، فالجسد السليم يستمد عافيته من العقل اليقظ النشيط.
- ومايجرى على المخدرات ينسحب أيضا على "شاى" الموظف بكل كميات الرشوة بداخله .. وأدراج المكاتب المفتوحة لتيسير مطالب المواطنين .. وصفقات وتربيطات رؤساء الإدارات في أى مصلحة لجمع غنائم الدولة على حساب حقوق بسطاء الوطن وفقرائه .. وعزلة كبار المسئولين فى غرفهم المكيفة وأبراجهم العاجية عن هموم ومتاعب الحالمين بدولة العلم والعدل .. وتفضيل أهل الثقة والطاعة عن ذوى الكفاءة والمهارة .. وهذه الأعراض المزمنة أقوى من المخدرات ومقاومتها تقتضى عشرات التحاليل وفرق التفتيش ورجال الإنقاذ من كتائب الرقابة الإدارية .. ولاسبيل للانتصار فى هذه الحرب إلا بتغيير شامل فى بيئة العمل كما ذكرنا .. وحماية هذا التغيير بمتابعته والإصرار عليه دون كلل أو ملل .. ولا أملك إلا أن أقول مثل الكثيرين من أصدقائي : "الله المستعان" .. ولايُعين الرب سوى عباده المخلصين قولا وفعلا!.





المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط