الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كواعب البراهمي تكتب : ربوا أولادكم صح

صدى البلد

غالبا أنا أشتري الخضراوات من النساء , وذلك لأني في داخلي شيء يقول إن مثل تلك النساء اللواتي يخرجن صباحا باكرا ويجلسن في حر الصيف اللافح , وبرد الشتاء القارس لا يخرجهن من منزلهن إلا الشديد القوي , كما هو المثل .

وفي اعتقادي أيضا أن لو كل واحدة من هؤلاء النساء وجدت من ينفق عليها وعلى أولادها لفضلت أن تستريح بالمنزل , فلا شيء يعادل أن تجلس مرتاحة خاصة النساء اللواتي يعملن في الأعمال الشاقة أو اللاتي يضطررن للجلوس بالطريق بلا خصوصية لهن .
 
وإنني أعتبر شرائي منهن هو نوع من أنواع المساعدة غير المعلن والمؤازرة بالرغم من تعرضي أحيانا لشراء ما هو أقل جودة , ولا يعادل ما يباع في محلات الخضار والفاكهة. 

ولكن تلك السيدة التي أقصدها اليوم بالحديث إنسانة كريمة وحسنة التعامل وهي ما ينطبق عليها الحديث الشريف (رحم الله امرأ سمحا إذا باع وسمحا إذا اشترى وسمحا إذا اقتضى) . 
 
ومنذ شهر تقريبا كنت أشتري بعض الخضر من تلك السيدة التي تجلس علي جانب الطريق دائما لتبيع الخضراوات وبجوارها أخريات . فسألتها جارة لها تبيع بنفس المكان بجوارها الجبن والبيض عن ابنتها وعن موعد زفافها .

فقامت السيدة التي أشتري منها بسيل من الدعوات السيئة علي ابنتها , ومن تلك الدعوات الموت والمرض العضال، فغضبت جدا وقلت لها حرام عليكِ ربما يكون باب السماء مفتوحا, والرسول صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعو علي أولادنا , وتدخل رجل يشتري أيضا وقال لها مثلما قلت وأضفت لها ( لا تدعو علي أموالكم ولا علي أولادكم - صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم . 

فردت هي أنها بنت متعبة ولا تسمع الكلام , كلفتني مبالغ كبيرة ومش قانعة , وأكملت: تصوري صممت أجيب لها غسالة أتوماتيك وغسالة نصف أتوماتيك وغسالة أطفال . ده غير إنها خلتني أشتري لها خمسين باشكير وخمسين طقم ملاية سرير . غير الحلل والثلاجة وطقم الصيني والتيفال . فقاطعتها : ليه كل ده ؟ ده حرام . ليه تسمعي كلامها , هي تقول اللي تقوله أنتي مش لازم تجيبي . 

فأكملت: ورطتني في الديون وكل ما أقول كفاية تقول لو كان أبويا عايش كان جاب لي كل حاجه وتبكي وتتخانق
قلت لها سيبيها تبكي , ليه تسمعي الكلام مالها بكل الغسالات دي , ومالها بخمسين طقم ملاية سرير ,. ده لو عندها نصف دستة محتاجة عشر سنين علشان يدوبوا . 

قالت لي أنتي مش عارفه إحنا عندنا في القرية العربيات بتروح تودي حاجة العروسة ولازم يكون زينا زي الناس بتروح علي الأقل خمس عربيات مليانين . 

قلت لها ادعي لها بالهداية أحسن ما تدعي عليها , لأن لو أصابها مكروه أنت هتندمي . وهدديها بعدم إكمال الزواج لو استمرت على كده.

وتركتها وأنا أفكر كيف هذه المسكينة التي عمرها كله بالشارع حتي وهي مريضة لا تغيب , ترتدي عباية ما لها لون أكل عليها الزمن وشرب , فما بقي من لونها الأسود إلا الغبار أن تأتي بكل ذلك المال . سيدة عندما تراها تشفق عليها , وللاسف لا تشفق عليها ابنتها .

وتذكرت مرة أخرى سابقة علي تلك كنت أجلس في تجمع نسائي مصادفة , وتطرق الحديث للأدوات المنزلية بمناسبة مرور أحد الباعة وعرض ما لديه من أدوات مطبخ , فقالت إحدى السيدات تقريبا نفس الكلام , ولكن هذه ظروفها أفضل لأنها موظفة , ولكن نفس الطلبات أنها تجهز بنتها بحوالي ستين ملاءة سرير وأطقم صيني وأركوبال واستانلس وتيفال ومن كل نوع طاقمين . 

وقلت لها مستحيل بنتك ستستخدم كل تلك الأواني حتي لو كانت تعزم ناس كل يوم . فأجابت الدنيا اتغيرت وحاليا بيتم فرش غرفة نوم للأطفال قبل قدومهم وأيضا تجهيز ما سوف يتم ارتداؤه مستقبلا للأطفال . 

وتذكرت إنسانة أعرفها أيضا ورطت أسرتها في ديون لا حصر لها من أجل أن تشتري أشياء لا لزوم لها في جهازها , وعندما تحدثت معها أن البركة في القليل وأن الإنسان يشتري ما يحتاجه ولو فيه زيادة تكون طفيفة فكان ردها أن أخوة زوجها الذكور زوجاتهم أحضروا كذا وكذا ولن تكون هي أقل منهم . 
 
عندئذ عرفت سبب ما نحن فيه و عندما أري كم الطلاق الذي يحدث حاليا , أعرف أن السبب هم الأهل . لم يحملوا أولادهم المسئولية . ولم يعرفوهم ما هو الزواج وتكوين أسرة . 

لم يزرعوا في قلوبهم الرحمة , فأغلب البنات تتزوج قبل الأبناء وغالبا من يتزوج الأول يعصر والديه عصرا فلا يترك لأخوته شيئا , وربما بعض الأبناء الباقين لم يكمل حتي تعليمه . 

وربما بعض الأسر تكون الأم بمفردها هي التي تربي وهي التي تنفق وهي التي تعمل فوق طاقتها من أجل أولادها.

أنا عن نفسي أسمي تلك التصرفات وذلك السلوك قلة أدب ,نعم لم يقم من يربي بزرع المبادئ الصحيحة ولا الأخلاق القويمة لأن الابن أو البنت الذي لا يشعر بجهد والديه ولا يرحمهما ابن قليل الأدب , قصر والداه في تربيته تقصيرا كبيرا .
 
والغريب العجيب أن مثل هؤلاء الناس الذين يبذرون تبذيرا عظيما في الإنفاق فيما لا لزوم له تجدهم يصرخون من ارتفاع سعر البطاطس وإرتفاع فاتورة الكهرباء ويشتكون دوما من ضيق المعيشة والتي هم ضيقوها علي أنفسهم .

لابد أن يعرف الأولاد أنه ليس في استطاعة الأهل تحقيق كل الرغبات بالرغم من تمنيهم فعل ذلك , ولكن هناك شيء اسمه الدخل الذي ينبغي أن يعيش كل شخص علي قدره.
   
ربوا أولادكم صح ليس من أجلكم ولا من أجلهم فحسب , ولكن لأن الله سيسألكم عنهم وماذا زرعتم فيهم من خلق وقناعة ورحمة .علموهم أن لكل إنسان طاقة وقدرة علي الشراء ,وأن البركة في القناعة .