الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

صنايعية مصر


من عجيب أمر الكثير من وزرائنا ورؤساء جامعاتنا، وما دونهم، أنهم لا يتحركون إلى تصميم وإبداع وتنفيذ أي نهضة تنموية في مجال مؤسساتهم ومجتمعهم، إلا إذا أُمروا بذلك أمرا إلزاميا عبر مبادرات الرئيس، التي ساعتها يتلقفونها، متسارعين في تنافس حثيث بينهم، وفقا لرؤية الرئيس لتنفيذها فحسب، لا من باب احتياج المجتمع وأبنائه لتلك المبادرة، التي تقوّم معوجا، وتصلح ما بُلى، وتُوقظ خاملا، وتغير ثوابت وعادات مجتمعية فاسدة أكل عليها الدهر وشرب.

من ثم وجب تقديرى وثنائى للرئيس عبد الفتاح السيسي على مبادرته الوطنية "صنايعية مصر" التي أطلقها في بداية العام الجارى، وبدأت تدخل حيز التنفيذ، داخل جامعاتنا، والعمل عليها، انطلاقا من توجهه، بضرورة إنشاء جامعات تكنولوجية تطبيقية تعمل على مواكبة الثورة الصناعية الرابعة، وخدمة للمشروعات التي تقوم الدولة بتنفيذها، وتوفيرا للعناصر البشرية القادرة على مساعدة الدولة في تنفيذ إستراتجيتها بجميع المجالات الزراعية والصناعية، فكان إلزام الدكتور خالد عبد الغفار، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، رؤساء الجامعات، بالمشاركة فى المبادرة لما تتمتع به جامعاتنا من دور حيوى قوي يمكن أن تلعبه من خلال قطاع البيئة وتنمية المجتمع بها، وإلى سرعة تنفيذ مبادرة الرئيس "صنايعية مصر"، الهادفة إلى تدريب وتأهيل أصحاب الأعمال اليدوية والحرف والمهن، مثل النجارة، والكهرباء، والسباكة، وغيرها، إضافة للحرف التراثية، مثل صناعة السجاد، والخزف، والصدف، والنحت، وغيرها من الحرف، من خلال توفير برامج التدريب والتأهيل اللازم لإعداد الكوادر الفنية لمواكبة احتياجات سوق العمل من العمالة المدربة، ومنحهم شهادة معتمدة من الجامعات، وسرعة إعداد كل جامعة لخطة تنفيذية في محيطها الإقليمي، وتحديد آليات التواصل مع المستفيدين من المبادرة، وتوقيتات التنفيذ، وأسماء الخبراء المشاركين، وجداول البرامج التدريبية، وتوثيق البرنامج التنفيذي لكل جامعة في هذا الشأن، فكانت الاستجابة الحثيثة بوضع كل رؤساء جامعاتنا الأطر الأساسية لانطلاقها، خاصة بالقرى الأكثر احتياجا، إعدادا وتأهيلا للخريج، وطالب التعليم الفني، وتوفيرا وخلقا لفرص العمل، بأساليب علمية بحثية قادرة على النهوض بالمهن الحرفية داخل الدولة.

والحق أشهد أن الدكتورة أماني عبد الله الشريف، عميد صيدلة الأزهر بنات، الخبيرة الدولية في جودة التعليم بالاتحاد الأوروبي، المحكم الدولي باتحاد الجامعات الأفريقية، المنسق الإقليمي لاتحاد الجامعات الأفريقية ممثلا عن إقليم شمال أفريقيا، كان لها السبق في ابتكار مثل هذه المبادرة الرائعة، حين بعثت برسالتها للرئيس السيسي قبل انتخابات المرحلة الثانية من رئاسته مباشرة، تحت عنوان "سأنتخبك لأجل مستقبل التعليم بمصر"، وليكن شعار الفترة القادمة "التعليم من أجل التنمية"، ويقينى أن الرئيس قد استجاب لرسالتها، فكانت مبادرته الرائعة "صنايعية مصر"، حيث وضعت في رسالتها للرئيس السيسيخطة تنموية تدريبية استهلتها بتساؤل، هل التعليم الجيد هو غايتنا؟ أي التعليم من أجل التعليم؟ أم هو وسيلتنا لدفع قاطرة التنمية والتقدم؟ وهل ما يتلقاه المتعلم من تعليم ليس جيدا أم أنه غير ملائم لاحتياجات التنمية؟ وهل يتم قياس الفجوة بين الاحتياجات الفعلية لسوق العمل وما يقدم من تعليم؟ وهل يتم مراجعة خطة مصر 2030 عند تحديد ملامح التعليم المطلوب، وقدرته على الإسهام في تحقيقها وإنتاج كوادر مؤهلة لتنفيذ هذه الخطة؟

موضحة أنه على سبيل المثال إذا كنا نريد أن تكون مصر مركزا للصناعات الإلكترونية، أو الثقيلة، أو متقدمة زراعيا، هل تم الاهتمام بالبرامج التي تخرج كوادر مدربة ولديها الجدارات التي تحقق ذلك، وتساعد الدولة للحصول على ثقة كبريات الشركات في تلك المجالات وإنشاء مقرات كبرى لمصانعها في بلادنا؟ مستشهدة ببعض الدول مثل فنلندا وإندونيسيا التي سبقتنا في تطبيق تلك الفكرة، حيث أعادت فنلندا سياستها التعليمية على أساس احتياجات التنمية لديها، فكان الاهتمام والأولوية للتعليم الفني في مجال صناعة السيارات والموبايلات، إلى أن اكتفت سوق العمل، فبدأت بتعديل تلك السياسات في ضوء الأهداف المستقبلية وتلبية احتياجاتها التنموية.

مشددة على أنه من الضروري أن تفتح الأمة نوافذ ذهنها وفكرها لكل فكر جديد وإيجابي، إضافة لوجوب الاهتمام بالمهارات الحياتية والتقنية وريادة الأعمال للخريج، والذي لن يتم إلا بالتدريب، لأنه هو المحرك الآخر لعجلة التنمية، واعتبار التدريب جزءا لا يتجزأ من العملية التعليمية، وأن يتم توفيره لكل البرامج الأكاديمية من خلال إمداد الطالب بمزيج من العلوم والمهارات الحياتية والحِرف والصناعات والمهن التي تساعده بعد تخرجه في المشاركة في المجالات المختلفة ليسهم في بناء مجتمعه، ويصبح الخريجون سواعد بناء، وليسوا معاول هدم في بلد يتميز بكثرة عدد سكانه، ومن ثم نستطيع أن نحول كثرة عدد السكان إلى وسيلة وقوى إيجابية نحو النهوض والتقدم، والتغلب على التحديات الراهنة بدلا من اعتبار الزيادة السكانية مشكلة نحتاج إلى التكاتف لحلها، مقرنة ما سبق بأنه لا يمكن أن ينتج التعليم ما نتمناه من شركاء حقيقيين في قطار التنمية دون الاهتمام بأخلاقيات الخريج، ومن أهمها نثر روح التسامح، وتعزيز الانتماء، واحترام الاختلاف، فالخريج والفنى والمهنى الملتزم القادر على اتخاذ القرارات الصائبة، المبنية على خلفية أخلاقية، ودراية علمية، فنية، يستطيع بسهولة كسب ثقة المتعاملين معه بالداخل والخارج.

والخبيرة الدولية الدكتورة أمانى الشريف لها مقولة مفادها "التدريب يستطيع أن يحدد مصائر الأمم"، لأن بالواقع المعاش، غيَّر التدريب الصحيح الحقيقى مصير شركات كانت منهارة صناعيا وتكنولوجيا، وغيَّر اقتصاد بعض الدول مثل ماليزيا واليابان وسنغافورة والكثير من دول أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وهذا هو المخرج لتأهيل الخريجين غير المؤهلين.

هكذا كانت رسالة مباركة رائعة، من عالمة مصرية خبيرة دولية، نهوضا بمجتمعها، وحلا لمشكلات مزمنة بقطاع مهم جدا من قطاعات بلادنا-التعليم-، ومبادرة ورد فعل أروع من القيادة السياسية التي تدرك حجم الخطر من اهمال هذا الملف، ودفعا حثيثا دؤوبا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، سعيا لتبوأ مكانة متقدمة بارزة في مصاف الدول الصناعية والتكنولوجية والمهنية، وإيقاظا لمسئولين أدمنوا نوم أهل الكهف، وعدم التحرك إلا بأوامر عليا.
[email protected]
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط