الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

المقداد بن عمرو


تعايشا مع تلك الروحانيات المباركة، واتساقا للنفحات الايمانية والأجواء الرمضانية التي نحياها الآن، اسمح لىقارئى الحبيب أن تكون مقالتى في هذا الشهر الفضيل، وهذه الأجواء والاوقات الطيبة، رسائل نتعرف من خلالها على شخصية من ساداتنا الصحابة الأجلاء، الذين لا يعرف عنهم منا شيء -إلا من رحم ربى-، تذكرة وتعريفا بهملنا وللأجيال الحاضرة، وإذا كان أهل الباطل -هداهم الله- يروجون الى سلعهم العاطبة وبضاعتهم الفاسدة بكل وسائل التشويق والإثارة ليجذبوك -قارئى- اليهم، فما أحرانا أن نجعل رمضاننا في معية ديننا ونبينا وسيرته وصحابته الكرام العبقة الطاهرة، عبرة نستلهم منها العظات والقدوة التي نسير عليها وإليها،نأخذها من حياتهم وكفاحهم وجهادهم وحبهم لنبيهم ولدينهم الاسلامىالذي ضحوا بأرواحهم، وبكل غال ونفيس فداء له،فاستحقوا بها هذه المنازل الرفيعة، والتي بلّغها إياهم ربنا الكريم في قوله تعالى: "مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا"، وقوله : "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم"، وقوله : "لا تسبوا أصحابي؛ فوالذي نفسي بيده، لو أنفق أحدكم مثل أُحدٍذهبًا، ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه".
ورضى الله عن عبد الله بن مسعود حين أجمل فضل صحابة رسول الله قائلا: " من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات؛ فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة؛ أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أفضل هذه الأمة؛ أبرها قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في آثارهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم ودينهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم".
وأول ما أبدأ به أول فرسان الإسلامالصحابى الجليل المقداد بن عمرو، أحد الأوائل المبكرين بالإسلام، حيث ذكر ضمن السبعة الأوائل الذين اعتنقوا الإسلام، حيث جاء المقدادإلى مكة، فأخذه الأسود بن عبد يغوث وتبناه، فصار يدعى المقداد بن الأسود، فلما نزلت آية تحريم التبني نُسب لأبيه عمرو بن سعد، وتزوج المقداد ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ابنة عم النبي، مع أنه مولى وهى قرشية هاشمية شريفة؛ ذلك أن الإسلام لا يفرق بين عبد أو سيد ولا بين شريف ووضيع، فالكل في نظر الإسلام سواء، لا فرق بين عربي ولا أعجمي ولا أسود ولا أبيض إلا بالتقوى والعمل الصالح.

من مواقفه المشهودة في الإسلام أنه هاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة، وحضر بدرا، وشهد المعارك كلها، وكان أول من قاتل على فرس في سبيل الله، وقيل إنه الوحيد الذي قاتل على فرس يوم بدر، أما بقية المجاهدين فكانوا مشاة أو راكبين إبلا، وعُرف المقداد بشجاعته وفروسيته وحكمته، وكانت أمنيته أن يموت شهيدا في سبيل الله، ليبقى الإسلام عزيزا قويا، فقال -رضي الله عنه-: "لأموتن والإسلام عزيز"، وروى أنه لما وقف النبي يشاور أصحابه قبيل غزوة بدر الكبرى تقدم المقداد وقال مخاطبًا الرسول: "يا رسول الله، امض لما أراك الله، فنحن معك، والله، لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى -عليه السلام-: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، بل نقول لك: اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد (موضع في اليمن) لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه"، فانطلقت هذه الكلمات الطيبة من فم هذا الصحابي، فتهلل وجه النبي، ودعا له دعوة صالحة، وتمنى كل صحابي لو أنه كان صاحب هذا الموقف العظيم، يقول عبد الله بن مسعود لما سمع هذا الكلام: لقد شهدت من المقداد مشهدًا، لأن أكون صاحبه، أحب إلي مما في الأرض جميعًا.

وكان النبي يحب المقداد حبا كبيرا، ويقرِّبه منه، وجعله ضمن العشرة الذين كانوا معه في بيت واحد، عندما قسَّم المسلمين بعد الهجرة إلى المدينة إلى عشرات، وجعل كل عشرة في بيت، وأخبر نبينا عن حبه له قائلا: "إن الله أمرني بحب أربعة، وأخبرني أنه يحبهم فقيل: يا رسول الله، سمهم لنا، قال:عليٌّ منهم، يقول ذلك ثلاثًا، وأبوذرِّ، والمقداد، وسلمان، أمرني بحبهم، وأخبرني أنه يحبهم".
من حكمة وعقل المقداد الراجح، ما تشهد به مواقفه، فها هو ذا يجيبالنبي عندما سأله: "كيف وجدت الإمارة؟ ،وكان النبي قد ولاه إحدى الإمارات، فيجيبه المقداد قائلا: لقد جعلتني أنظر إلى نفسي كما لو كنت فوق الناس، وهم جميعا دوني، والذي بعثك بالحق، لا أتأمرن على اثنين بعد اليوم أبدا"، ويذكر أبو نعيم الأصبهاني في كتابه "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء"موقف آخر للمقداد تظهر فيه حكمته، فيقول أحد أصحابه: جلسنا إلى المقداد يومًا فمر به رجل، فقال مخاطبًا المقداد: طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله، والله، لوددنا أنا رأينا ما رأيت، وشهدنا ما شاهدت، فأقبل عليه المقداد، وقال: ما يحمل أحدكم على أن يتمنى مشهدًا غيبه الله عنه، لا يدري لو شهده كيف كان يصير فيه؟ والله لقد عاصر رسول الله أقوامًا، كبهم الله -عز وجل- على مناخرهم (أي: أنوفهم) في جهنم، أو لا تحمدون الله الذي جنبكم مثل بلائهم، وأخرجكم مؤمنين بربكم ونبيكم.

كان المقداد جوادا كريما، إذ أوصى للحسن والحسين بستة وثلاثين ألف درهم، ولأمهات المؤمنين لكل واحدة سبعة آلاف درهم، وسنة 33هـ توفي المقداد -رضي الله عنه- عن سبعين عاما بالمدينة في خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضي الله عنهم جميعا-، وكل عام انتم بخير قرائى الأحباب، وصوما مقبولا وإفطارا شهيا.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط