الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سليمان جـادو شعيـب يكتب: في ذكرى انتصار العاشر من رمضان المجيد

صدى البلد

ونحن نعيش في رحاب وأجواء شهر رمضان الفضيل ، حري وقمينٌ بنا – نحن أبناء العروبة والإسلام – أن نتذكر ونستلهم روح النصر المؤزر ، نصر العاشر من رمضان المجيد ، الذي حققه لنا بكل فخر واعتزاز، جنودنا البواسل في عام 1393هجرية ، وأعادوا للمقاتل العربي ثقته بنفسه وعدالة قضيته ، وبينوا للعالم قاطبة ، كيف استطاع المقاتل العربي ذو الإرادة القوية ، التغلب على كل صور اليأس والإحباط ، وعقبات تثبيط الهمة التي حاول أعداء الحق والعدالة ، التفنن في سبيل الضغط عليه ومحاولة إزاحته وإبعاده عن طريقه ، ولكنه بفضل الله تعالى ، ثم بإيمانه وإرادته وبره الذي لا ينفد ، وعزيمته التي لا تلين ، وثقته بقضيته العادلة ، انطلق بجسارة صائحًا في مثل هذا اليوم العظيم ؛ ليعبر أكبر وأصعب مانع مائي في التاريخ العسكري الحديث ، ويفاجئ العدو الإسرائيلي المحتل والمتغطرس على الضفة الشرقية للقناة ، وبيديه الشريفتين الطاهرتين يغرس علم مصر العروبة الغالي ، مرددًا بأعلى صوت وهتاف ، كلمة الحق والتوحيد وصيحة الحق ، مدويًا من الأعماق : الله أكبر ، الله أكبر ! .

ويرتفع مع العلم العالي صوت الجندي المؤمن ليذكرنا بأذان بلال بن رباح – رضي الله عنه – الله أكبر ، الله أكبر؛ وليزيل ما لحق بالبلاد من هزيمة نكراء في عام 1967 م ، ويغسل عار الهزيمة الذي ظل جاثمًا على صدورنا عدة سنوات نتجرع مرارتها وآلامها التي لم تبرح أنفسنا وقلوبنا .

في ذكرى العاشر من رمضان ، نتذكر تلك المواقف الشجاعة والنبيلة لقواتنا المسلحة الباسلة فقد وقفت بإيمانها وصلابتها مع بعض أشقائها العرب ، في مواجهة صلف العدو الإسرائيلي الغادر ، وعبرت القناة في ساعات قلائل، وحطمت أكبر ساتر ترابي ألا وهو خط بارليف المنيع وأسطورة إسرائيل التي كانت تدعي أنه لا يقهر ! .

إن معركة العاشر من رمضان ، ليست مجرد معركة عسكرية بين جيشين ، ولكنه نقطة تحول حقيقية في تاريخ العرب والمسلمين معًا ، بل ونقطة تحول حقيقية في نظرة العالم كله إلى العرب . فلأول مرة اضطر العالم كله ، إلى أن ينظر للعرب نظرة جديدة مغايرة وجدية ، بعد أن كانت من قبل نظرة تشوبها سحب داكنة ، منها بقايا التعصب الغربي ضد العالم العربي والإسلام من أيام الحروب الصليبية ، وشعور الاستعلاء الغربي ضد شعوب العالم الثالث وكثافة الدعاية الصهيونية التي أفرزت اعتقادًا وتصورًا مهينًا للعرب ، وطبعًا النتائج المهينة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي .

ويطيب لنا اليوم بل وكل يوم ، أن نسترجع ذكرى النصر المجيد الذي تحقق بفضل الله سبحانه وتعالى ، ثم بفضل التضامن العربي الرائع ، ووقوف العرب جميعًا صفًا واحدًا من أجل تحقيق النصر والأهداف المنشودة والمرجوة .

إن يوم العاشر من رمضان ، ليذكرنا بيوم الفخر والعزة والكرامة ، اليوم الذي ارتفعت فيه هتافات جنودنا البواسل، خير أجناد الأرض : الله أكبر .. بهذا النداء الرباني تحدوا الصعاب ، وحرروا الأرض وحموا العرض ، تحت راية الله أكبر ، وكان النصر المؤزر لهم ، وأيدهم الله تعالى بتوفيقه وعونه ، فثبت القلوب والأقدام ، وارتجفت من أقدامهم وصمودهم حصون الأعداء ، فتهاوت وخرَّت تحت أقدامهم " .... وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فآتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار (الحشر : الآية 2) .

هذا هو فضل شهر رمضان المعظم ، الذي أمرنا الله عزَّ وجلّ بصيامه ، ولعل الصيام هو أشق التكاليف الدينية على المرء المسلم ، وهو مقصود بهذا حتى يذكر الإنسان من وقت لآخر بأن الحياة السوية الحقة ، هي التي تهيئ الإنسان لحمل المشاق وتدربه على تحمل التبعات والمسئوليات الجسام .. ولقد عزَّ المسلمون الأوائل وفتحوا الأرض ، وملؤوها علمًا وحضارة بفضائل دينه ، وبقيمه الرفيعة الباقية الصالحة لكل زمان ومكان ، والتي تقوم أساسًا على دستور السماء الخالد ، كتاب الله الكريم ، الذي يقول الله تعالى فيه : " قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم " ( المائدة : الآية 15، 16) .

حري بنا ونحن نعيش أيام وليالي هذا الشهر الكريم ، أن نتذكر تلك المعارك التاريخية والبطولات العظيمة التي حققها أجدادنا الأوائل قديمًا وحديثًا ، بدءًا من غزوة بدر الكبرى(2هـ) ، التي كانت حدًا فاصلًا بين الحق والباطل ، وغيَّرت وجه الأرض ، ومرورًا بفتح مكة (8هـ) ، ومعركة الجسر والبويب (13هـ) ، ومعركة القادسية (15هـ) وموقعة المدائن (21هـ) ، وفتح أرمينيا الصغرى (25هـ) وفتح الأندلس (92هـ) ، وفتح عمورية (223هـ) ومعركة عين جالوت (658هـ) ، وفتح البوسنة والهرسك(791هـ) ، وفتح جزيرة قبرص (829 هـ) غيرها ، حتى العاشر من رمضان المجيد (1393هـ) ، وهو أول انتصار للعرب والمسلمين في العصر الحديث ، تلك المعارك الحاسمة التي شاء الله تعالى أن تكون كلها في رمضان .

حقًا ، سيظل انتصار يوم العاشر من رمضان الذي تحقق على أيدي جنودنا الصائمين القائمين لله تعالى ، الذين أعز الله بهم الأمة في مثل هذا اليوم الميمون ، محفورًا في ذاكرة الشعب المصري ، بل في ذاكرة شعوبنا العربية كلها ، وستظل ذكراه يومًا عظيمًا وخالدًا في تاريخ أمتنا العسكري والوطني ، ويدرس للأجيال تلو الأجيال .

ونحن إذ نتذكر ذلك اليوم المجيد ، لنحيي شهداءنا الأبرار بكل إجلال وإكبار ، فطوبى لهؤلاء الأبطال الذين أحرزوا هذا النصر العظيم ، و ضحوا بأنفسهم وأرواحهم الغالية ؛ كي تعيش أمتهم مرفوعة الرأس ، عزيزة كريمة ، وأعطوا درسًا بليغًا لشعوب العالم كلها عن معنى التضحية ، وكيف يكون الفداء .. وصدق الله العظيم إذ يقول في كتابه العزيز : " ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم " (الروم : الآية 4) .