الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إطفاء حرارة الظمآن.. ثواب سقي الماء للعطشان ووسائل تنفيذ الصدقات الجارية فيه

ثواب سقي الماء
ثواب سقي الماء

سقي الماء وإرواء ظمأ العطشان من بني الإنسان، والحيوان.. عمل يعتبر سببا من أسباب النجاة، وبابا من أبواب البر والفلاح، قليلون من يفطنوا له، وأقل من القليل من يبادرون إليه، بل إن النبي- صلى الله عليه وسلم- رَغَّبَ ورَغِبَ في هذا العمل في يوم الحج الأكبر، ومع رغبته فيه إلا أنه تركه، وما تركه- صلى الله عليه وسلم- إلا خشية أن يُقتدى به في ذلك الموضع، وفي ذلك مشقة لأهله، ومنازعة لهم.

وقال- صلى الله عليه وسلم- في حَجة الوداع: «انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَوْلاَ أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ»، فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ (أخرجه مسلم:5791)، فتبريد الأكباد، وإطفاء حرارة الظمآن من أعظم الأبواب التي تقود إلى الجنان، ومن أسباب تكفير الآثام، وهو باب عظيم لإذهاب الأسقام، وبه تكون الصدقة جارية عن النفس والْوَالِدَيْنِ والْوِلْدَان، هذا فضل سقي الماء، وتبريد الأكباد.

وإن أعظم ما ذكره الله في وصف الجنة "إجراءُ الأنهار" التي منها السِّقَاء والتلذذ، والشرب والإطعام، {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى}.

والله -عز وجل- عذب أهل النار بحرمانهم من الماء، {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} [الأعراف:50]، قال الإمام القرطبي- رحمه الله تعالى-: "وفي هذه الآية دليل على أن سقي الماء من أفضل الأعمال" (تفسير القرطبي:7/215).

كما قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «بَيْنَما رَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ مِنْهَا ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي فَمَلأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا؟! قَالَ: «فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ» (متفق عليه من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه-).

والأعجب من هذا ما جاء في الصحيحين من أن امرأةً زانية سقت كلبًا فغفر الله لها، يقول صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ» -أي يدور حول بئر- «قَدْ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا -أي خفها- فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ فَسَقَتْهُ إِيَّاهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ»، فيا لله كم من نفحات لله لا يعلمها إلا هو جعلها للرحماء المخلصين من عباده.

وقال بعض التابعين: "من كثرت ذنوبه فعليه بسقي الماء" (تفسير القرطبي:7/215). ألا وإن من فضائل سقي الماء على الظمأ أن يكون جزاؤه أن يسقيه الله من الرحيق المختوم في الجنة، يقول صلى الله عليه وسلم: «أَيُّمَا مُسْلِمٍ سَقَى مُسْلِمًا عَلَى ظَمَإٍ سَقَاهُ اللَّهُ مِنَ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ» (أخرجه أحمد:3/13، وأبو داود:1684، والترمذي:2449 عن أبي سعيد رضي الله عنه).

وتعد الصدقات الجارية، عن الآباء والأمهات، والبنين والبنات، والأنفس والذوات، ومن أعظم الصدقات: سقي الماء وإجراؤه، فهو من أفضل الأعمال، جاء سعد بن عبادة رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت أفأتصدق عنها؟ قال: «نعم»، قلت: فأي الصدقة أفضل؟ قال: «سَقْيُ الْمَاء».

وهناك وسائل كثيرة لسقي الماء، منها: السعي في حفر الآبار في الأماكن التي يحتاج إليها الناس، وهذا أمر ميسور، فَيُطِيْقُ الإنسان أن يحفر له بئرٌ بثمن بخس في بلد فقير معوز تجري عليه بركته وبره،يقول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَفَرَ مَاءً لَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ كَبِدٌ حَرَّى مِنْ جِنٍّ وَلاَ إِنْسٍ وَلاَ طَائِرٍ إِلاَّ آجَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (أخرجه البخاري في التاريخ الكبير:1/331، وابن خزيمة:1292 في صحيحه بسند صحيح).

كما يعتبر توفير المضخات لتنقية المياه لتكون صالحة للشرب بدلًا من شرب المياه الآسنة كما في بعض الدول الفقيرة وسيلة لسقي الماء، وكذلك وضع الماء في المساجد؛ أو الأسواق أو الطرق وتعاهده، بل وعند البيوت، ولها أثر في حفظ البيت من السرقة لبركة الصدقة، ولكثرة الشاربين؛ جاء في (الترغيب والترهيب:964): أن الإمام الحاكم أصابته قرحة في وجهه قريبًا من السنة، فتصدق على المسلمين بوضع سقاية على باب داره، فشرب منها النَّاس، فما مر عليه أُسبوع إلا وظهر الشفاء، وعاد وجهه أحسن ما كان، وبرء بإذن الله.

ومن ضمن هذه الوسائل، حمل الماء في السيارة وتوزيعه على من يحتاجه؛ «فلَيْسَ صَدَقَةٌ أَعْظَمَ أَجْرًا مِنْ مَاءٍ» كما روي عنه- صلى الله عليه وسلم -كما عند البيهقي في الشعب(5/67) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ووضع البرادات في الأماكن العامة وتعاهدها بالماء الصالح، واستغلال تجمعات الناس سواء في الحج أو العمرة، أو في اللقاءات التي يحتاجون فيها إلى الماء فيسابق للسقاية، ووضع ماء في إناء للهوام والدواب، وللطير والكلاب، فـ«فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ» .