الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أين المحتوى الإبداعي؟


بعد أن فرغت الوليمة الرمضانية من أطباقها الدرامية، لم يعد السؤال الأهم هو لماذا تصدرت أصناف السطحية والكوميديا البذيئة التى تخاطب النصف السفلى قائمة المائدة الأولى، بل الملاحظة الأكثر إلحاحا هى غياب النوعية الدسمة التى تقصد العقل وترتقى بالمشاعر والوجدان سواء على مستوى الأعمال الفنية أو البرامج الهادفة .. وصار الموضوع هنا هو تحرى الأسباب والدوافع وراء إنتاج دراما تستهدف فى الأساس الانحدار بالذوق العام وإغراق الشاشة بمشاهد العنف والأفكار القاتمة والخيال الفقير!.

ولكيلا ننجرف فى تفاصيل ومتاهات تصرفنا عن الهدف الرئيسى، فلا يعنينا المبررات من جانب القائمين على سوق الدراما المصرية لتوضيح السر فى انتشار هذه الموجة الرديئة من الأعمال، نظرا لأن الإجابة قد تكون معروفة ومتوقعة والرد على أى نقد جاهز من "أعلى الجهات" لاعتبارات خاصة بطبيعة النجوم وثروة الإعلانات والمشاهدات التى سيجنيها "المُنتِج المُحتكِر" من "جنة" أسمائهم على التتر بغض النظر عن المضمون أو القيمة الفنية والإنسانية المضافة من العمل الفنى الذى جرى تفصيله على هوى وثقافة "البطل المزيف"!.

وإنما ما يقتضى الوقفة وجرس الإنذار هو اختفاء دور المؤلف فى المنظومة، وأفول نجم أسماء كبيرة وعملاقة فى تاريخ الكتابة الدرامية أثروا الساحة فى وقت من الأوقات بأعمالهم وبصماتهم الإبداعية فى صورة أعمال لازلنا نستمتع برحيقها وعمقها الثقافى حتى الآن .. وإلى الأبد .. والقائمة عامرة بالأمثلة والنماذج المتوهجة .. ومع هؤلاء انطفأ ضياء جيل من المخرجين العاشقين لفن الكاميرا وكانوا قادرين على خلق أجواء تجمع بين رقى المشهد وعظمة الأداء التمثيلى وعذوبة الكلمة لتكتمل الرسالة فى ذهن وقلب المتفرج .. ولا مانع على الإطلاق من إفساح المجال للكوميديا الخفيفة الملائمة لروح رمضان، وهذا ما كان يحدث بالفعل تحت أعين الرقابة الواعية، ولكن دون تورط "مُتعمَّد" فى نوعية هابطة ومستهلكة يلتقطها الصغار ببراءتهم ويتشربون ألفاظها وإيحاءاتها كـ "سُم زُعاف" يقتل فى بطء أصول الأدب والتربية والأخلاق!.

وإذا كانت الدولة حريصة بكل مؤسساتها الثقافية و"منصاتها" الإعلامية على إحكام قبضتها على "المحتوى الإبداعى" وحمايته من القرصنة الإلكترونية ليصل إلى الجمهور أينما كان، فالأحرى أولا تحديد هوية هذا المحتوى المطلوب تحصينه وتسويقه وتصديره للبيت المصرى .. فإذا كان من فصيلة ما تم عرضه العام الحالى، يصبح من الأفضل والأكرم لنا جميعا حذفه والدعوة إلى الانصراف عنه لضحالته وسوء تأثيره .. أما ما ينبغى أن نفكر فيه بجدية والتزام هو إعادة ثقة الأسرة فى دراما رمضان بإنتاج تجارب أكثر احتراما، وتجديد العقد مع نجوم الورق وفنانين عظماء أحسنوا إلى تاريخهم ومشوارهم، ومازالوا يبحثون عن القضية والفكرة ولا يفرطون فيها مقابل الشهرة والكسب السريع كما يفعل "تجار" الفساد الثقافى، الذين فاقت جرائمهم مافيا "السموم البيضاء"!.

- هذا هو "المحتوى الإبداعى" الذى نريده ونتشوق إليه دوما، لنحصل على سلعة فنية وثقافية تُهذِّب السلوك وتقود أى أمة أو شعب أو سلطة إلى شاطئ النجاة، ولكى تستعيد مائدة رمضان رونقها وبهاءها، على الشرفاء تطهير هذه المائدة من الوجبات الفاسدة والاستعانة بأمهر الطُهاة فى الكتابة والإخراج، والاعتماد على "الجيل الذهبى" من نجوم الشاشة وليس "الظواهر المؤقتة" التى استغلت الظرف السياسى والاجتماعى أسوأ استغلال! .. وحراسة الإبداع تبدأ من إنصاف أبنائه ورواده ومن يستحقون هذا الوصف .. أما ما يحدث أمامنا فهو تضليل و"شو" فج يثير السخرية والاستفزاز .. وأخشى ما أخشاه أن يكون قد صار لـ "المحتوى الإبداعى"، مواصفات وشروط بخلاف ما تعلمناها، و"كهنة" يعملون على ترسيخها وتقديسها .. ورغم ذلك لايأس مع هؤلاء .. وكلمة الحق أقوى، وصوت العدل أعلى .. وسيظل البقاء والخلود لمن صدق وأخلص .. وأبدع!.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط