الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

لبنان وأصابع التأخر


قبل أشهر قليلة، قال الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي، في كتابه " قصتي... 50 قصة في خمسين عامًا" عن بيروت، "أذهلتني صغيرًا، وعشقتُها يافعًا، وحزنتُ عليها كبيرًا، كانت شوارعها النظيفة، وحاراتها الجميلة، وأسواقها الحديثة في بداية الستينات مصدر إلهام لي. وحلم تردّد في ذهني أن تكون دبي كبيروت يومًا ما" ما ذكره الشيخ بن راشد كان تلميحا وتصريحا لما أصاب لبنان، وفي القلب منه بيروت، من مآسي اقتصادية واجتماعية منذ أواخر الستينات وحتى اليوم، حيث يمر بأسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه، فلبنان وقتها كانت باريس الشرق وسويسراه، لكن النكبات لم ترحمه، منذ ذلك التاريخ وحتى الآن، وأعنى الوجود الفلسطيني ومخيماته المنتشرة بطول لبنان وعرضه، ففي أواخر الستينات وإثر الوجود الفلسطيني في لبنان واشتباكاته مع الجيش اللبناني جاء اتفاق القاهرة عام 1969 لا لكي ينظم هذا الوجود، بل ليضع له شرعية وجود وسلاح، ويطلق شرارة الحرب الأهلية اللبنانية التي بدأت فعليا مع هذا التاريخ وتجسدت علي الأرض عام 1975واستمرت ويلاتها 15 عاما كاملة.

ومع مرور كل هذه السنوات الطويلة، لا يزال وضع الفلسطينيين ومخيماتهم يشكل أحد أهم الملفات الشائكة والحساسة في لبنان، ولعل ذلك يعود في معظمه إلي تعدد المرجعيات السياسية خاصة حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وتفشي السلاح الفلسطيني في المخيمات، وكذلك الوضع البائس والمزري لساكني هذه المخيمات التي أنتجت بدورها بؤر بؤس وشقاء وفساد وبيئة حاضنة لمنظمات جهادية وجهات تكفيرية تمارس العنف بحق اللبناني والفلسطيني معا، وهو ما اتضح جليا في اشتباكات مخيم نهر البارد عام 2007، وعين الحلوة 2015 و 2017، وما بينهما الكثير من الاشتباكات في باقي المخيمات، وهي التي تسيطر عليها فصائل فلسطينية أبرزها حماس والجهاد الإسلامي المدعومتان من إيران، حتى أصبحت هذه المخيمات مفرخة للإرهاب وحاضنة للخارجين عن العدالة وممارسي البلطجة، ونقطة استقطاب وتناسل لحركات أصولية ومتطرفة.

لبنان من جانبه لم يتوقف منذ الستينات عن مواجهة العنف والإرهاب الناتجين عن هذه الفصائل، وآخرها إصداره حكما غيابيا اليوم علي أسامة الشهابي الملقب بـ" أمير تنظيم فتح الإسلام" في مخيم عين الحلوة جنوب لبنان، و15 شخصا من أعوانه بالأشغال الشاقة المؤبدة بحق 16 فلسطينيا، يشكلون مجموعة مسلحة في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين بقيادة الشهابي، لكنه في كثير من الأحيان يغض الطرف لظروف سياسية تتعلق بالصراع في المنطقة، غير أن من نتيجة ذلك، أن ضعفت الاستثمارات الأجنبية، ووضعت حالة من التخوف لديّ المستثمرين الأجانب من الدخول باستثماراتهم طبقا لمقررات سيدر الذي عقد في باريس العام الماضي وتعهد المانحون بحزمة مساعدات ومشروعات للبنان تقدر بأكثر من 11 مليار يورو.

إذن، فإن الدولة اللبنانية مطالبة الآن، وأكثر من أي وقت مضي، وهي على أعتاب إقرار أهم موازنة في تاريخها، أن تتصدي بكل حزم وقوة للعنف والإرهاب التي تصدره المخيمات وتقف وراءه حماس والجهاد،فدائما ما تكون المخيمات إحدي أدوات اللعبة الإقليمية والدولية ، واستعمالهم وقودًا في سياسات تعرض لبنان للمخاطر السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فتبسط الأمن ومظاهر السيادة علي كل المخيمات، فالأزمة ليست من اللاجئين والنازحين الموجودين والذي يُقدر عددهم بنحو مليوني نازح ولاجىء، فالسوريون لم يحدث أن أثاروا اشتباكات مع الجيش أو قوي الأمن منذ اندلاع الأزمة السورية، نعم، قد تحدث اشتباكات لكنها دائما وأبدا فردية، ولا تأخذ صبغة الميلشيا، كما حدث ويحدث من المخيمات الفلسطينية.

ولا شك أن هذه المخيمات هي إحدى أصابع وأدوات التأخر منذ نحو خمسين عاما، أو يزيد، وكانت سببا في تأخر لبنان اقتصاديا واستثماريا، ولم يعد حتى مثل دبي أو ربعها، وهو ما تعهد الحريري في لقائه بالشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أن تعود بيروت مثل دبي.. نتمنى وننتظر.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط