الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

بُشرى إلى المُجند عامر


في فيلم الممر، ارتحل المجند "هلال"، ابن محافظة سوهاج، إلى أقصى جنوب مصر، ليحث صديقه الأسمر المجند "عامر"، ابن النوبة، على العودة لاستكمال واجب الخدمة العسكرية، الذي اقتنع على الفور، حين تلقى بشرى صديقه، بأن هناك تغيرات تكتيكية تدور على الجبهة، وأن معركة استنزاف قوى العدو ستبدأ، وأن عبور مانع قناة السويس، واجتياز خط بارليف، واستعادة أرض سيناء، بات هدفًا استراتيجيًا واضحًا، يتم حشد العتاد، وتدريب العناصر لتحقيقه، في أقرب وقت ممكن.

لم يستغرق إقناع المجند الأسمر "عامر"، قناص دبابات العدو بسلاح الآر بي جي، بالعودة إلى الجبهة، سوى بضع كلمات، فسرعان ما هدأت ثورته التي قابل بها صديقه "هلال"، وهو يروي قصة أهل النوبة، أبناء مصر في هذه الأرض الطيبة، وكيف أنهم فارقوا أراضيهم ومنازلهم خلال القرن الماضي مع بدء بناء وتعلية خزان أسوان ثم إنشاء السد العالي، وتم تعويضهم بأراضٍ صحراوية لا تتوافر بها مقومات الزراعة، فاضطروا إلى الارتحال إلى أماكن أخرى، يعيشون فيها في ظروف صعبة، حيثُ يضم المنزل الواحد عدة أسر، ولكن كل هذه المشاعر تضاءلت حين كان مضطرًا لتنفيذ أمر بالانسحاب دون أن يطلق قذيفة "آر بي جي" واحدة تجاه العدو، وأن يبتلع الهزيمة في حرب لم تبدأ.

لو كان بيدي، لدعوت المجند "هلال" إلى أن يرتحل ثانية إلى أرض النوبة، ليزف إلى صديقه "عامر" بشرى جديدة، فمطالب أبناء مصر في النوبة وصلت محطتها الأخيرة، بإعلان الحكومة عن إجراءات صرف التعويضات لأهالي النوبة المتضررين من بناء وتعلية خزان أسوان وإنشاء السد العالي، ممن لم يسبق تعويضهم، وهي الخطوة النهائية التي تمثل محطة الوصول، حيث تم وضع آليات واضحة بتوقيتات زمنية محددة ومعلنة، لتعويض 11716 مستحقًا، بينهم من سيتم تمليكهم الأراضي التي قاموا بالبناء عليها، أو منحهم حق الانتفاع بها، أو سيتم تعويضهم بأرض أخرى قابلة للزراعة، وبعضهم بمسكن آخر داخل أو خارج محافظة أسوان، أو التعويض نقدًا لمن يرغب في ذلك، على أن يتم تسليم التعويضات ومستنداتها لأول دفعة من المستحقين، نحو منتصف شهر سبتمبر 2019.

أعجبني تناول صناع فيلم "الممر" لموضوع أهل النوبة ومطالبهم، بهذا القدر من الشفافية والوضوح، فليس لدى مصر ما تخفيه، أو تدعو لعدم الاقتراب منه، بل أن نبرة النجم أمير صلاح الدين الذي جسد هذا الدور ببراعة، وحدته واندفاعه، جاء مُعبرًا عن مشاعر أهل النوبة، موصلًا لصوتهم، وأتمنى أن تكون الإجراءات الأخيرة لتعويض أهالي النوبة قد جاءت لتكتب السطر الأخير في هذه القصة الضاربة في التاريخ، لتأتي النهاية على النحو الذي يُكلل صبر أبنائنا في النوبة وإصرارهم، ويلبي مطالبهم واحتياجاتهم، كما يؤكد أن الدولة المصرية تنتصر دومًا وأبدًا للحقوق "المشروعة" لأبنائها.

لفظ "النوبة" مشتق من الكلمة الهيروغليفية "نوب"، وتعني الذهب، وإذا كانت التسمية تعود إلى ثراء تلك المنطقة بهذه المعدن النفيس، فالواقع أن الثراء الحقيقي هناك يكمن في نفوس أبناء النوبة ونقاء سريرتهم، فقد تحملوا من أجل هذا الوطن الكثير، وناضلوا بكل شرف، حتى جاء الوقت ليرد لهم الوطن جميل الصبر والانتظار.  
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط