الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

في ذكرى رحيل الإمام... حكايات مع الرؤساء


كان فضيلة الإمام الشيخ الشعراوي، المولود في 15 أبريل عام 1911م بقرية دقادوس مركز ميت غمر، خفيف الظل في جلسته، مُبهرًا في حكاياته، فتعشق مؤانسته؛ وتزيد متعتك بسماع عذب حديثه الموشى بعبارات ريفية جذابة، مستدعيًا قصصًا به حكمًا وعبرًا. 

حَكى ذات مرة أنه عندما كان يعمل في السعودية في الخمسينات من القرن العشرين، فإذا به جالس ذات يوم في أحد أروقة الحرم المكي، فجاء إليه من يستفتيه، دون سابق معرفة، فأفتاه. وفي اليوم التالي تردد عليه نفر يستفتونه، في ذات المكان فأفتاهم. ورويدًا رويدًا أخذ يُفتي من موضعه، وأصبح له عطاءً مقابل ذلك عبارة عن ريالات من الفضة القديمة-حيث لم تكن الأوراق النقدية متداولة بعد-فما كان من شيخنا إلا أن أحضر جوالًا معه ليحمل فيه تلك الريالات، ويتحرك وهو حاملًا إياه.

ومن حكاياته الطريفة مع الرؤساء أنه حين عُين وزيرًا للأوقاف وشئون الأزهر الشريف عام 1976م وضع مكتبه بالوزارة إلى جوار الباب، وبلغ الأمر الرئيس السادات عليه رحمه الله. فسأله ذات يوم، يا مولانا علمت أنك غيرت المكتب ووضعته إلى جوار الباب، فما الحكمة في ذلك. فكان جوابه على الرئيس: حتى لا يطول بقائي فيها. فضحك الرئيس السادات لجوابه..وفهم المغزى، فهو زاهد في المنصب وغير باق عليه.

ونُقل عنه أنه ذات يوم كان حاضرًا مع بعض الوزراء بصحبة الرئيس السادات للاحتفاء بالرئيس الروماني تشاوشيسكو وحرمه؛ وبينما هم جلوس صعدت راقصة على المسرح لتؤدي فقرة أمام الوفد الروماني. فحار الشيخ في الأمر، فقام بإدارة كرسيه بحيث أصبح ظهره للمسرح ووجهه للضيوف. فاستفسر الرئيس الروماني عن ذلك، فما كان من السادات إلا أن أرسل ممدوح سالم، رئيس الوزراء، للشيخ ليعتدل في جلوسه، حتى لا يقع الرئيس في حرج مع ضيفه.

ومن المواقف التي خلدها التاريخ لإمام الدعاة كلمته القوية للرئيس الأسبق مبارك، احتفاءً بنجاته من حادث اغتيال بإثيوبيا...وأكاد أزعم، أن الجميع كتم أنفاسه تحسبًا لردة فعل الرئيس على كلمة الشعراوي -غير المتوقعة- بيد أن الرئيس كان مبتسمًا لفضيلته، الذي كاد أن يسقط على المسرح من وهنه، وهاهو نص الكلمة:

"يا سيادة الرئيس...فإن أُذن الراعي قلما تتهيب للسان الرعية، فمن أعطاه الله أُذن راعٍ فليحسن ما يقوله له، وأن يدعو الله له، فإن بدعائه له يصلح الله به خلقًا كثيرًا. وأنا استعير من المتنبي ما قاله لسيف الدولة. ولا أخصك في منجم بتهنئة...إذا سلمت فكل الناس قد سلموا. 

وإني يا سيادة الرئيس أقف على عتبة دنيايا لأستقبل أجل الله. فلن أختم حياتي بنفاق، ولن أبرز عنتريتي باجتراء، ولكني أقول كلمة موجزة للأمة كلها، حكومتنا، حزبًا ومعارضة ورجالًا، وشعبًا آسف أن يكون سلبي، أريد منهم أن يعلموا أن المُلك له بيد الله، يؤتيه من يشاء، فلا تآمر لأخذه ولا كيد للوصول إليه.

 فإن الحق سبحانه وتعالى حينما حكى حوار إبراهيم للنمرود ماذا قال له؟ أو كالذي حاج إبراهيم في ربه، وهو كافر، قال أن أتاه الله الملك. فالملك حين يُنزله الله، قال: يؤتي الملك لمن يشاء، فلا تآمر على الله لملك، ولا كيد على الله لحكم، لأنه لن يحكم أحد في ملك الله إلا بمراد الله؛ فإن كان عادلًا فقد نفع بعدله، وإن كان جائرًا ظالمًا بشع الظلم وقبحه في نفوس كل الناس، فيكرهون كل ظالم ولو لم يكن حاكمًا. 

ولذلك، أقول للقوم جميعًا: أننا-والحمد لله-قد تأكد لنا صدق الله في كلامه، بما جاء من الأحداث، فكيف كنا نفسر قول الله: ويمكرون ويمكر الله. وكيف كنا نفسر: أنهم يكيدون كيدًا ونكيد كيدًا....فأنا أنصح كل من يجول برأسه أن يكون حاكمًا، أنصحه بألا تطلبه، بل يجب أن تُطلب له، فإن رسول الله قال: من طُلب إلى شيء، أُعين عليه، ومن طلب شيئًا وُكل إليه.

يا سيادة الرئيس، آخر ما أحب أن أقوله لك، ولعل هذا يكون آخر لقائي أنا بك، إذا كنت قدرنا فليوفقك الله، وإذا كنا قدرك فليعنك الله على أن تتحمل."

وقال الكلمات الأخيرة وهو واضع يده على كتف الرئيس، كاسرًا البروتوكول بعفوية تامة، وكان مبارك منصتًا له تمامًا، لما تضمنته كلمته من معان محددة تدخل في أدب النصيحة، لا يستطيع أحد أن يقولها لذي مُلك إلا إمام الدعاة. 

رحم الله الشيخ الشعراوي وأسكنه فسيح جناته بعد أن فارقنا في السابع عشر من شهر يونيو عام ألف وتسعمائة وثمان وتسعين. 
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط