أقرب الطرق إلى الصحة البدنية ، هى الرياضة اليومية ، وأقرب الطرق إلى الصحة الوجدانية أو الذهنية أو العقلية هى القراءة باعتبارها وسيطا مكثفا يساعد على التفكير، ومع اكتمال صحة الجسد والعقل لا يبقى إلا الصحة الروحية والنفسية، ولا شك أن السقيم المعتل فى عقله وجسده هو الأقرب إلى الاعتلال الروحى والنفسي.
ومع ذلك نعود إلى أن الإنسان بصحته على أنواعها ، نواة مجتمع إذا انتشر فيه الأصحاء انتقلت الأمة التى ينتمى لها من عالم بدائي فى كل شىء إلى عالم متقدم فى كل شىء ، فالقنطرة التى تفصل بين عالمين أحدهما بدائي والأخر متقدم هو الكتاب ، المشكلة أن الكل مؤمن بذلك لكن الأكثرية للأسف لا يفعل شيئا يدلل به على إيمانه سوى الإعجاب والتقدير لكل حكمة تصله من هنا أو هناك عن قيمة العلم والرياضة ، مثلهم فى ذلك مثل عشاق الكرة الناظرين من خلف الشاشات أو على أكثر تقدير المشاهدين للمباريات داخل الاستادات والملاعب، المعجبون بمهارات اللاعبين ، لا يمارسون إلا روح المراهنة بالإنفعالات بين البهجة والغضب والسرور والكرب، ويقامرون بوقتهم الغالى على طاولات المشاهدة فقط ،بينما يجرى غيرهم فى مضامير الركض وحلبات المنافسة ويستفيد فى بدنه وعافيته ويترك لغيره متعة المشاهدة التى لا تسمن ولا تغنى من جوع ، و السؤال الذى يطرحه الناس وأتلقاه شخصيا من بعض الأعزاء الذين يستمعون القول ويريدون أن يتبعوا أحسنه و قرروا ممارسة القراءة والرياضة هى كيف نبدأ ومن أين ؟.
الحقيقة أن هذا السؤال مرتبط بحال السائل ومدى استيعابه وإيمانه بأهمية الرياضة والقراءة فى حياته وحياة المجتمع ككل ؛ ففى سبيل الإجابة على ذلك سنقسم الناس إلى نوعين ؛ نوع يرون أنهم مازالوا على قيد الحياة ، وهؤلاء هم الشباب بغض النظر عن تواريخ ميلادهم فكل من يرى أنه حى يرزق هو شاب فى نظرى ، أما الأخرون الرافضون للحياة أو لما تبقى لهم فيها من عمر، فهم غير مستهدفين بهذا الخطاب وطبعا بغض النظر عن تواريخ ميلادهم .
فإذا كنت شابا كما أسلفنا ، فعلامة الشباب التمسك بالحياة التى خلقها لنا الله، فإذا كنت متمسكا بها فعليك أن توقف كل أصوات التأجيل فى عقلك ، تلك التى تمنعك من التنفيذ و تبرر لك ألا تفعل شيئا ، وتجذبك إلى الارض، لذلك لابد وأن تبدأ فورًا، وفورًا تعنى بعد خمس ثوان من القرار، فإذا كان الحديث عن الرياضة ابتداءً ، فعليك أن تبدأ بالمشى المنتظم فى أى مضمار عام أو خاص (ممشي) أو شارع ، و أن تطور ذلك تدريجيا بعد عدة أيام بين الهرولة و الركض إلى العدو الخفيف بمعنى أن تزيد السرعة والمسافة كلما سمحت لك لياقتك ،المهم المداومة ،وهذا العمل البسيط كفيل بأن تصبح فى خلال أسابيع رياضي ممارس لا متفرج ، ومن هنا يمكنك الانطلاق إلى ماهو اكبر إن شئت الدخول إلى عالم المنافسة.
أما إذا تحدثنا عن القراءة فالأمر يبدأ بقراءة كل ما تقع عليه عينك قراءة الباحث، فالقراءة والعلم لا يقاس بكم الكتب بل بعمق المعرفة وهذا يتأتى كلما كثرت الأسئلة التى استطعت إيجاد إجابات لها ، كما أن عليك أن تعرف أيضا أن كل كتاب ستقرأه سيرشح لك الكتاب الذى يليه ، والأهم من ذلك أن يكون القارئ صاحب شك يدفع إلى مزيد من البحث والسعى بين الكتب لأن أكثر من يستفيد من القراءة أكثرهم أسئلة، كما أسلفنا ولكن من الموصى به لكل قارئ،أن يحاول التحقق من هوية الكاتب الثقافية واتجاهاته الفكرية وانتماءته ،وقراءة كل ماكتب عن الكتاب الموضوع بين يديك من نقد أو شرح ؛ وأنا أعد من قرر البدء فورًا دون تأجيل أن ما سيجده فى أثناء البحث بين الصفحات وهو في طريقه للإجابة، سيكون أعظم اكتشافات وقد تكون أهم كثيرًا مما يبحث عنه ، فالبحث والسؤال سيدخلانه فى غمار التفكير والـتأمل و هذا يقود إلى الحكمة وهو ما سينعكس على سلوكه العام ويزيد من نزعاته الإيجابية ، ليس هذا فحسب بل سيحسن من قراراته وخياراته الحياتية و سيؤثر نموًا فى عمله وعلاقاته الاجتماعية بكافة أنواعها ، وهو ما سيعود عليه وعلى المجتمع كله بالنفع والتقدم والحضارة .