الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

جنازة عن جنازة تفرق!!!



طيلة عمرنا ونحن نرى رهبة الموت وجلاله وخصوصيته . واعتدنا منذ صغرنا أن نهاب الموقف ونحافظ على خصوصية الميت وأهله ومحبيه . وكان إذا تنابز أيا من الناس عن الميت وحتى إن كانت معلوماتهم صحيحة كنا نسمع من يعلو صوته ويخرس الجمع والجميع بقوله اذكروا محاسن موتاكم، على هذا النهج سرنا وعشنا نترحم على موتانا وندعو لهم بالجنة ولأهلهم بالصبر والسلوان..

ولكن ما يحدث منذ طغيان وسائل التواصل الاجتماعى على طريقة تعاملنا وعلى حياتنا بصفة عامة منذ ذلك الحين واصبحت طريقة تشييع موتانا كما لوكانت زفة عرس وكل من فيها يحرص على ان تلتقط الكاميرا ملامحه ويعطى للميكرفون كلمتين ممزوجتين بالحزن والاسى يعلم الله مدى صدقهما . 

فى مراسم تشييع جثامين المشاهير وذويهم حدث ولاحرج وانظر وبلا وازع او رقيب ، سخرت الميديا نفسها لهذه المناسبات بطريقة مخزية ومزعجة وأصبحت ترصد حال شعبنا الذى اعياه التكاثر ، فقد أصبح مألوفا جدا ان تتزاحم عدسات المصورين واقلام الصحفيين فى اماكن العزاء وكأنها افراح ..واصبح رؤساء تحرير الصحف والمواقع يجزلون العطاء لمن يأتى بحديث فارق من مكان الموت وبمن يخرج بصورة غريبة من حدث الحزن وياحبذا لو كانت صورة لشخصية مرموقة تواسى اهل الفقيد بطريقة غريبة . 

معايير أحكام الاعلام اختلطت فى هذه المناسبات واحكام الشهرة والنجومية اخذت معيارا آخر ووسائل اخرى ، لم يقتصر الامر على التقاط الصور والاحاديث الشاذة بل امتد ليتسع ويسع لنشر كل ماهو سيء عن الميت الشهير الذى لايملك الرد ولايستطيع ذويه ان ينفوا او يؤكدوا ماكتب عنه لانهم فى حادث جلل ، غياب الاخلاق الاعلامية وانتزاع المهنية والبحث عما يسمونه بالتريند والفلورز اخذت من المهنة الجليلة اقدس أهدافها واصبح من الطبيعى جدا ان يطلب رئيس التحرير من رؤساء الاقسام ان ينشروا كل مايؤذى عن الفقيد تحت عنوان الجانب الاخر من حياة الفقيد ، تعرف معنا على عشر مواقف مخزية تعرض لها النجم الراحل، بالفيديو والصور النجم الفنان الراحل ينطق بالفاظ خارجة فى احتفال خاص ، كم عدد زوجات او ازواج النجم ، لنا السبق فى معرفة الزيجات العرفية ، وغيرها الكثير من العناوين غير الاخلاقية والتى تهدف للربح على حساب روح رحلت لايعلم بها الا من انتزعها من جسد لاحول له ولاقوة . الموت بقدسيته بهيبته اصبح هو الاخر يقاس بمن الذى رحل وما صلته بأولى السلطة والجاه ، ومن حضر العزاء ، ومن كان حزينا ، ومن ادعى الحزن ، ومن ومن ، والاغرب من ذلك ان بعضا من اهل الميت خيل لهم ان كثرة المعزين ووضعهم المجتمعى جاء بهم الى مكان العزاء من اجل الميت متناسين ان كثير من المعزين قد اقبلوا لان اخ الفقيد ذو وضعية براقة او ان اخته او امه او امها اوابيه وابيها على رأس اجندة الاهتمام المجتمعى .. 

نسى الكل ان الموت زائر يطوف على الكل ولايستثنى احدا من زيارته ، وبأنه حينما يأتى لايخرج فارغ اليد بل يذهب دوما ومعه من سقطت ورقته وذبلت وحان وقت عودتها الى البرزخ الابدى . 

الموت ياسادة ياكرام لابد ان ننحنى له ولجلالة توقيته ولحكمته الالهية، لا ان نجرى بالكاميرات والميكرفونات ونظهر شطارتنا فى متابعة حدث كل المهارة فى نقله تكمن فى الاتعاظ من هذه اللحظة وبطلب الرحمة للميت والصبر لاهله .. 

الموت فى مصر اصبح للشهرة والظهور والحديث وفقد اهم معانيه وهى العظة بأن الحال لايدوم وان الكل ذاهب لامحالة الى القبر وان اختلف استقباله وتوديعه .. استقيموا يرحمكم ويرحمنا الله ..
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط