الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

تركيا ذات الألف وجه


تُعرف اسطنبول بأنها إحدى المدن التاريخية صاحبة الألف مئذنة، لكن أردوغان حوّل تركيا كلها إلى صاحبة الألف وجه، لا تعرف له سياسة واحدة، هو متقلب متغير، لا يهمه تركيا، بل مصلحته، وأن يحقق حلم الخلافة الوهمي الذي يعيشه منذ أكثر من عقد من زمن، منذ أن وضع له المنقلب عليه مؤخرا أحمد داود أغلو إستراتيجية العثمانية الجديدة في النصف الثاني من العقد الماضي.

في كتابه " العالم الإسلامي المعاصر" الذي ألفه الراحل جمال حمدان، حين تحدث عن تركيا، قال فيما معناه: "إن تركيا كثيرا ما تتخذ القومية الإسلامية سبيلا لتحقيق أهدافها، وأنها كلما ضعُفت سياسيا ابتزت الدين ابتزازا" ولعل التاريخ يعيد نفسه على يد أردوغان، وأننا نري ذلك رأى العين، ولا نسمع فقط، فاتخذ من "تحرير القدس" و"حماية الدين الإسلامي" ونصرة المستضعفين ومساندة السوريين وغيرها من العناوين اللافتة أدوات لخلافته الوهمية، فرأيناه يبتز الدين ابتزازا من أجل أحلامه السياسية.

لعل آخر ما ورد إلينا من أنباء قاسية، هو ما يفعله مع السوريين المقيمين الذين كان يشجعهم على ترك الأراضي السورية ليس تخلصا من القتل والدمار المشارك فيه، والذي يدعي أن بشار فقط من يفعل ذلك، بل كي يخلى هذه الأراضي ليسهل ضمها إلى لواء الإسكندرون السوري الأصل والتركي اغتصابا، الآن بدأ حملة شرسة تجاه السوريين في تركيا، وبدأ بإبعادهم إلى داخل الأراضي السورية.

تقارير عدة ذكرت الحملات الممنهجة التي تقوم بها البلديات التركية، فمؤسسة أبحاث السياسات الاقتصادية في تركيا (تيباف) بالتعاون مع مؤسسة هاينريش بول يسلط الضوء على محنة السوريين في تركيا تذكر أن السوريين يعيشون في الأحياء الأشد فقرا في إسطنبول، مثل بلاط وسولوكولي وغازي، وأنه يُنظر إليهم في الغالب على أنهم عمالة رخيصة ويعملون في الاقتصاد غير الرسمي في ورش صناعة المنسوجات أو قطاع البناء في تركيا.

حين قبِل أردوغان دخول السوريين كان يريد من وراء ذلك الاستفادة من الوضع الإنساني للاجئين الهاربين من أتون الحرب الأهلية في البلاد، ليظهر أمام العالم بمظهر الصدر الحنون، والآن، يريد أيضا الاستفادة ، من خلال استغلال تزايد نغمة العنصرية والعداء ضد السوريين في الشارع التركي، لكن هذه المرة لدى شعبه بالداخل. 
 
هذه أحد وجوه أرودغان التي استثمرها في 2016 كى يجني مكاسب مادية من الاتحاد الأوروبي، وظفر بـ 3.2 مليار دولار كى يوقف سيلهم إلى الاتحاد الأوروبي، والآن بعدما انكشف هذا الوجه المبتز، بدأ في إبعادهم إلى ديارهم بعدما تهدمت وقطعت أرزاقهم.

لكن ذلك ليس الوجه الوحيد، فسياساته التدويرية، ذات الأوجه المتعددة، تسببت في أزمات اقتصادية لا نهاية لها، وما انخفاض الليرة التركية ببعيد، هذا الانخفاض نتيجة سياساته، فهربت الاستثمارات الأجنبية من داخل تركيا، وأحجمت دول كثيرة عن الاستثمار فيها، طالما أردوغان على رأس السلطة هناك، ففي فبراير الماضي، أعلنت هوندا، ثانى أكبر مصنع في اليابان عن إغلاق مصنعه، وسحب استثماراته، مما اضطر إلى تشريد الآلاف من العمال والمهندسين، وقبلها في يناير أعلن "دويتشه بنك"، أيضًا، أرقامًا من البنك المركزي لإظهار أن مستثمرين أجانب سحبوا خلال يناير الماضي 715 مليون دولار من البنوك التركية، وهو أكبر مبلغ تم سحبه بصفة شهرية منذ مايو 2018، عندما بدأت الليرة هبوطًا حادًا أمام الدولار وصل لـ40% من قيمتها، ما أدى إلى رفع أسعار الفائدة إلى 24 %، وارتفاع التضخم إلى ما فوق 20 %.

سياسات أردوغان الفاشلة تجاه تركيا كبّد الاقتصاد خسائر فادحة، وأصبح هناك جيش من العاطلين يُقدر عددهم بـ 4.5 مليون بنسبة 29.1 %، الأمر الذي حدا بنيويورك تايمز أن تطرح تساؤلا مهما: أنه "من غير المرجح إحداث تغيير حقيقي، في الوقت الذي يتجاهل فيه إردوغان المشاكل الاقتصادية "، وما الذي سيحدث عندما تزداد الأوضاع الاقتصادية تدهورًا، الكل في انتظار أن تعود تركيا، لكن دون صاحب الألف وجه.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط